من النادر أن أطلب من الصحيفة إجازة رغم أنها حق مستحق كما تنص عليه بنود عقد الكتابة فيها، صحيح أن الزملاء فيها كرماء يقدرون حالة الكاتب عندما يشعر يوما أن لا شيء لديه يكتبه، أو أنه في حالة نفسية سيئة كباقي خلق الله، أو أنه يمر بحالة من القرف من كل شيء، فيستيقظ وهو في حالة من عدم التصالح مع كل شيء في الوجود. حينها يقبل الأصدقاء العكاظيون هذه الحالة ويتفهمونها لكنهم يشعرونك بطريقة احترافية مؤدبة أن هذا غير مقبول في اليوم التالي، وفي المقابل اعتدت أن أخرج من أي حالة تمنع أصابعي من معاقرة حروف المقال بعد يوم أو يومين على الأكثر، لسببين مهمين أولهما الالتزام مع الصحيفة والاحترام للأصدقاء فيها، وثانيهما أن العلاقة الطويلة الحميمة مع القارئ تجعل الغياب خيانة له رغم كل المتاعب. هذه المرة وفي لحظة تعب شديد تهورت وطلبت من الجميل «جميل الذيابي» رئيس تحرير صحيفتنا أن يمنحني إجازة من نفسي وقلمي وكل العالم المحيط بي، فقط لمدة أسبوع، فتهور هو أكثر وقال: أسبوعين، لتكون المرة الأولى التي ظننت أنني أستطيع الانكفاء على نفسي والتوحد بها بعيدا عن كل الأخبار والأحوال والإيقاع الصاخب الذي يشد الأعصاب كل لحظة ويحولها إلى حريق من التفكير والقلق. تخيلت أنني قادر على إغلاق الجوال وهجر القراءة ووضع ستارة كثيفة بيني وبين ما يحدث في هذا الكون، خِلت أن باستطاعتي التوحد مع نفسي ولأجلها فقط، أصحو متى أشاء وأفعل ما أشاء وأنام متى أشاء. لا قراءة ولا تلفاز ولا ضجيج ولا نقاش مع أحد عن أي شيء. ولكن هيهات، أو كما يقولون: يموت الزمار وصباعه تلعب. قاومت الوحدة كثيرا، وقاومت الغياب كثيرا، لكني في لحظة مجنونة اتصلت على جميل الذيابي وقلت له عائد يا مولانا، طبعا كان ترحيبه حميما لكني خلته يقول في سره يا لهذا المجنون الذي لا يريد أن يرتاح. تحياتي لكم أيها الأحبة. وامتناني لكل من سأل. وتوسلاتي لكم أن تدعو الله ألاّ يشفيني من حب التواصل معكم.