هناك مقولة شائعة عن الجامعة العربية أنها: بيت العرب. في حقيقة الأمر أنها مرآة العرب.. نظامهم الرسمي، على وجه التحديد. من يريد أن يطل على أحوال وأوضاع النظام العربي، عليه ألا يذهب بعيدا، وينظر إلى أداء منظمتهم الإقليمية «العجوز». كذلك لمن يريد أن يمعن في مدى الاختلاف بين أحلام وطموحات الشعوب العربية وسياسات وتوجهات النظام العربي الرسمي، عليه أيضا، أن ينظر إلى مخرجات الجامعة العربية، في ما يخص تعاملها مع قضايا العرب القومية، التي تضطرم في وجدان الأمة العربية من بغدان إلى تطوان، كما يحددها الشاعر (فخري البارودي) امتدادا لجغرافية «الوطن العربي» التضاريسية والثقافية والتاريخية والإنسانية. لم يشهد تاريخ تطور المنظمات الدولية جمودا، بل انحسار على مستوى حركة المؤسسات وقيم القضايا التي تضطلع بها، مثل الجامعة العربية. بل إن هناك منظمات إقليمية تطورت لتصبح كيانات إقليمية عليا ( SUPRANATIONAL ORGNIZATION ) تتجاوز صلاحياتها واختصاصاتها في قضايا التكامل الإقليمي والدفاع والتنمية والتشريع والأمن الجماعي والقضاء وحقوق الإنسان وحرية التجارة والتنسيق في السياسة الخارجية، تلك التي تحتسب تقليديا من اختصاصات السيادة للدول الأعضاء. لننظر لتجربة الاتحاد الأوروبي، التي بدأت بعد قيام الجامعة العربية بأكثر من عشر سنوات في مبادرة خجولة بين عدوين أوروبيين لدودين (ألمانيا وفرنسا) للاستفادة من من أبرز بؤر توتر العلاقات الحدودية بينهما حول إقليم الألزاس واللورين، لتتحول هذه المبادرة الآن، إلى وجود أكبر وأغنى وأقوى تكتل إقليمي، في العالم: بعملة واحدة.. وبرلمان واحد.. ومفوضية عليا (حكومة واحدة).. ومحكمة عليا واحدة.. ودستور واحد.. وسياسة خارجية واحدة، بل وحتى هم الآن في طور إنشاء جيش أوروبي بقيادة عسكرية واحدة. ما حدث في تجربة الجامعة العربية، العكس تماما. لقد تغولت الدول الأعضاء على كيانهم الإقليمي الخجول، حتى أضحى كيانا إقليميا مسخا، بمثابة «التكية» للجهاز البيروقراطي للأنظمة العربية، تذهب معظم ميزانيته كرواتب ومكافآت للعاملين فيه، دون ما ناتج سياسي أو تكاملي يمكن أن يبرر صرف هذه الأموال الضخمة، التي تتكفل بها، بالمناسبة: دول قليلة، بينما لا زال معظم الدول الأعضاء، حتى هناك غنية منها، ترفض دفع حصتها في ميزانية الجامعة، ومع ذلك يصرون على البقاء في عضويتها، والمشاركة في فعالياتها! الجامعة العربية، طوال أكثر من سبعة عقود من عمرها المديد، لم يتواضع أداؤها التكاملي لمستويات دنيا، بما ينال من شرعية استمرارها والإبقاء عليها، فحسب.. بل نجد الجامعة العربية تراجعت في اهتماماتها بالقضايا القومية الكبرى، التي كانت وراء إنشائها، ولم يبق وجود لها إلا في صيغة الخطاب الرسمي التقليدي الذي يصدر دوريا من الجامعة العربية أو في مناسبات طارئة.. أو في البيانات التي تصدر، عقب عقد القمم العربية، التي أخذ بدورية انعقادها سنويا لتعتبر الإضافة الإجرائية اليتيمة التي حدثت في ميثاق الجامعة، لتعتبر - بالمناسبة - عبئا وليس شرفا أو من التزامات العضوية. مؤخرا اعتذر المغرب عن استضافة القمة العربية القادمة! الجامعة العربية تفقد مع الوقت الكثير من زخمها، بل وحتى من مشروعية استمرارها. ذلك: راجع لتواضع دورها ومكانتها بسبب سلوك أعضائها ونظرتهم لدورها. بالإضافة إلى «ركاكة» صياغة وغموض مواد ميثاقها المعتمدة من قبل أعضائها. أيضا: يعود ضعف أداء الجامعة وتواري دورها الإقليمي، إلى تراجع أوليات واهتمامات أعضائها القومية والتكاملية. الجامعة العربية، قامت على أسس قومية في صيغة «مائعة» للتوافق بين مقتضيات قيام الدولة القومية الحديثة في العالم العربي، وطموحات الوحدة عند الشعوب العربية. إلا أنه، للتاريخ، قامت الجامعة من أجل خدمة هدف استراتيجي أسمى (مقاومة احتمالات قيام دولة يهودية على أرض فلسطين). اليوم أين النظام العربي (الرسمي) من هذه القضية الاستراتيجية القومية العليا. لقد توارى الخطر الإسرائيلي، بالنسبة لأعضاء الجامعة، بل إن بعض الأنظمة العربية «الفاعلة» أضحت ترى أن الخطر على أمنها يأتي من قبل الفلسطينيين، وليس إسرائيل! ثم هل بعد ذلك نستغرب هذه السرعة التي جرى بها انتخاب أمين عام جديد، مثير للجدل، للجامعة العربية. لقد أضحى تحري «التوافق» الصوري بين أعضاء الجامعة هو غاية وجودها! عموما: الجامعة العربية، لم تعد مهمة لأعضائها، إلا شكليا وبرتوكوليا ومظهريا، ليهتموا بشخص أو جنسية أو توجه من يكون أمينها العام. إذا أردت أن تتعرف على أحوال النظام العربي، يكفيك النظر إلى مرآته (الجامعة العربية).