كشفت مواقع التواصل الاجتماعي وما صاحبها من برامج وتطبيقات موازية استعدادا داخليا للقراءة ((كفعل)) تتم ممارسته مجتمعيا حتى لو كان ذلك بشكل غير واعٍ، وقد أفلحت الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية بسهولة توفرها في إذكاء جذوة فعل ظننا أنه لا يوجد إلا لدى عاشقي القراءة الذين لا يخلو منهم زمان ومكان. ساعات يتم اقتطاعها من يومنا في تصفح المواقع العربية والأجنبية ، وإذا ما أردنا أن نتأمل في هذه الحالة وما يمكن أن تؤثر فيه على مستوانا الثقافي والفكري لابد لنا من الوقوف على الأسئلة المنهجية الهامة لتحديد ماهية هذه القراءة والتي منها (لماذا؟ وماذا؟ وكيف؟ / نقرأ) وكل محاولة جادة لتحديد هذه الماهية تقربنا خطوة نحو تحديد ملامح الرؤيا المتعلقة بمستقبلنا الثقافي والمدى الأيدلوجي المترتب عليه وما يصاحب ذلك من عوامل مؤثرة نستطيع أن نقول جازمين أن هذا المتن الثقافي الجديد والضخم سيكون منها ولربما من أهمها! إن مراحل اكتساب مهارة ما كالقراءة تقتضي التنقل بين 1 – اللا وعي واللا مهارة 2- مرحلة الوعي واللا مهارة 3- مرحلة الوعي والمهارة 4- مرحلة اللا وعي والمهارة، وحيث إننا قد توصلنا إلى مرحلة متقدمة في القراءة من مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات ذات الصلة، فإن ذلك يستحثنا وبشكل ملح لإطلاق الأسئلة حول ماهيتها. نحن المعنيين بالنظر إلى فعل القراءة المعاصرة في إحدى صورها، وما يترتب عليه من أخبار ومعلومات أو حتى شائعات تشكل في مجملها بيانات هائلة قد تؤدي إلى حالة كبيرة من ((الترهل المعرفي))، والذي يعتبر أحد أهم العيوب المصاحبة للمعرفة غير المصنفة والكبيرة التي قد تصيب الإنسان بالذهول وتحرمه القدرة على تحديد أولوياته المتعلقة بالقيم والاتجاهات وما يصاحب ذلك من تحديد معايير المفاضلة والتحليل الصحيح . ثمة إحصائية تقول أن 70 % من القراء عموما يتجهون إلى القراءة المنطلقة من التسلية لأنها لا تحتاج إلى مجهود عقلي كبير، حيث إن دافعها الأساسي هو ملء الفراغ لا أكثر، وحيث إن الأجهزة الذكية قد وفرت مختلف المواد المقروءة والجاذبة فمن السهل اختيار ما يستسهل قراءته هذا على الغالب إلا أن ما يؤثر على إطلاق الحكم المتعلق بالقراءة من عدمها من خلال الأجهزة يخضع إلى عدم الإمكانية بالجزم بأن كل من ينظر إلى هاتفه الذكي قد يكون في لحظة قراءة فقد يكون في حالة مشاهدة لمقطع فيديو أو صورة ما، وهذا يجعلنا نعود إلى نقطة نرتكز عليها في أحكامنا المتعلقة بالقراءة ألا وهي نسب القراءة في استطلاعات الرأي. الأنماط السائدة من كتابات مواقع التواصل أو المواقع الإلكترونية عموما تجعلها ذات إغراء لاسيما أنها قدمت وتقدم للقارئ بيئة خاصة بأسلوبه فتجده يبحث عن ما يريد وما يرغب وما يهتم فيه، وهنا تأتي النقطة الهامة والتي تحدد قيمة ما يقرأ، وهذا الأمر يتطلب التفكير في مرحلة جديدة لا تراوح الخطى في استجداء القراءة – كفعل – بل تتعدى ذلك إلى الاهتمام بماهية التحفيز والتحليل اللازمة لرفع مستوى القراءة من إطار التسلية أو البحث عن المعلومة بل الارتقاء إلى إطار آخر يستدعي توسيع قاعدة الفهم وهو الإطار الأكثر جدوى وقابلية لتحقيق وعي وثقافة يعول عليها الشيء الكثير.