نبدأ بالمثل المصري الشهير (إللي عنده قرش محيره يشتري حمام ويطيره)، وهذا المثل ينطبق على كثير من أفراد المجتمع الذين أنعم الله عليهم بالمال الوفير فلم يجدوا سبيلا لإنفاقه إلا شراء الحمام وتطييره، وهم بهذه الصورة يجسدون الإسراف في أعلى قممه. وما المشهد الأخير الذي تم تناقله في وسائل التواصل الاجتماعي، من أن شخصا قدم دهن العود الملكي الفاخر ليكون غسيلا لأيدي ضيوفه بدلا عن الصابون، ما هو إلا تخوض (تخوض مفردة جديدة) سبقته عشرات التصرفات التي لم تجد رادعا. والتخوض في المال بالباطل ظهر منذ وقت مبكر، إذ تحمل لنا كتب التراث والسير كثيرا من مشاهد البذخ والإسراف، إلا أن تلك المشاهد كانت تخص المترفين وهم فئة يمثلون نذير الشؤم في مجتمعاتهم المتواجدين فيها عندما تتصف أعمالهم بالطبيعية بينما تكون تلك الأعمال الممارسة ما هي إلا فسق في جوهرها. وظاهرة التخوض في مجتمعنا المحلي ظهرت من غير تدخل القانون لإيقاف هذه المهازل التي يمارسها محدثو النعمة أو الراسخون فيها، وكم هي التصرفات التي مرت بنا وكان إنكارها صامتا أو إشاعتها من أبواب عدة. وقد بدأ التخوض من مظاهر اجتماعية في أدنى حدودها، مثل شراء كل ما غلا ثمنه من ملبوسات أو أدوات، وعندما وجد المترفون أن عامة الناس يسعون ويحصلون على الغالي من الملبوسات مثلهم، تركوا الملعب وأخذوا بإظهار ثرائهم من خلال السيارات. إلى هنا والوضع يفرز طبقية المشتري، إلا أن سباق إظهار الشراء أخذ شكلا آخر من خلال أرقام التلفونات المميزة وانتقل هذا الداء إلى الجوالات ثم إلى الأرقام المميزة للسيارات، وفي هذا السخف كانت جهات تساعد على هذا الإقبال السخيف سواء بالإعلان أو بإقامة المزادات على اللوحات أو الأرقام.. ولأن أسعار الأرقام لا تظهر الثراء المتضخم لدى المترف، تم نقل المضمار إلى (البعارين) ليغدو ثمن ناقة ثمانية أو أربعة ملايين ريال مدعاة ل(لفشخرة) في أعلى سنامها، وقامت (البعارين) بتصنيف طبقة الأثرياء ولم يعجز من دونهم على إيجاد مضمار رديف، فتم بيع الخروف بعشرات آلاف الريالات أو شراء كرتون (تمر) أو (فقع). هذه الظاهرة ما كان لها أن تظهر على السطح لو أن هناك قوانين من أهمها: من أين لك هذا؟ (والذي يمكننا من كشف عمليات الفساد وحماية الحق العام ومعرفة مطابخ غسيل الأموال)، ثم تتوالى القوانين للإمساك بيد أي مبذر قبل أن يحيق بنا التدمير. ودائما أقول حيال أي ظاهرة تم تحذيرنا منها دينيا، ما الذي جعل الافتراق بين النظرة والتطبيق يتسع ويتعمق؟ ولا أجد إجابة سوى أننا مارسنا القول دون الأفعال، ولأن الدين أفعال قبل أن يكون أقوالا، نجد أننا نرتكب كل ما تم تحذيرنا منه بآية أو حديث.