من أصعب المناصب على الإنسان منصب القاضي. وصعوبة القضاء دنيوية وأخروية، فعمله يؤثر في حياة الناس تأثيرا مباشرا وحاسما، ولهذا يحذر الكثيرون من هذا المنصب، ويفرون كمن يفر من قسورة، مؤثرين السلامة لانفسهم.. وتذكر لنا كتب التاريخ قصصا كثيرة لمن رفض منصب القضاء خوفا على نفسه واخرته .. ولأن منصب القضاء خطير حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم (القضاة ثلاثة، قاض في الجنة وقاضيان في النار...) وهذا ينطبق على من يكون قضاؤه ملزما. وحين تضيق الدنيا بالمظلوم فإن ساحة القضاء هي الملاذ الاخير للانتصار له، ومعلومة هي شروط المختارين لهذا المنصب الحساس، كما هي معلومة الحالات التي على القاضي أن يمتنع فيها عن اصدار الحكم حتى تزول المؤثرات التي قد تجعل حكمه غير صائب . تقول الارقام وهي قديمة فإن حدث زيادة فلن تكون ملبية للرغبات، تنص تلك الاحصائية : يبلغ عدد القضاة في المحاكم 724 قاضيا وأن لكل مائة ألف نسمة ثلاثة قضاة. أي أن كل قاض يحكم لثلاثة وثلاين ألف نسمة. وإذا قلنا إن الناس لا يعيشون داخل المحكمة سوف ننقص العدد إلى الربع وليكن نصيب كل قاض سبعة آلاف قضية خلال السنة. بهذه الكثافة هل يستطيع القاضي أن يحكم بين المتخاصمين ويعطي كل صاحب حق حقه؟، الجواب المنطقي: لا لن يستطيع، خاصة إذا تغيب عن عمله أو مرض أو انتابته الحالات التي تمنعه من القضاء كالغضب أو الجوع أو اعتلال المزاج أو الاحتياج إلى الوقت لمعرفة وإظهار البينة. فما الذي فعلته وزارة العدل لكي تزيد من نسبة القضاة داخل المحاكم من أجل إنجاز القضايا المتعثرة والتي تأخذ زمنا طويلا قبل أن يحكم فيها.؟ المعلن عنه لجوء وزارة العدل إلى خريجي كلية الشريعة وإدخالهم في دورة تدريبية وتحميلهم مسؤولية القضاء.. وهذا قد يكون إخلالا بشروط اختيار القاضي وما يجب أن يكون عليه (القاضي) من علم وخبرة وحنكة اكتسبها من عمره المديد، ودراية بالمسائل الفقهية المذهبية المختلفة فهل خريج كلية الشريعة مهيأ لأن يقضي بين الناس في حين أن علمه يفتقر إلى العمق الواجب توفره في القاضي. فهؤلاء بحاجة ماسة للحصول على دراسات معمقة ولسنوات طويلة قبل أن يتقلد الواحد منهم القضاء وامتلاك رقاب الناس.