الحمد لله على كل حال.. كان يوم العيد مليئا بالأخبار المحزنة.. فما أن انتهينا من صلاة العيد وذبح الأضاحي وتوزيع العيديات على الصغار الأشقياء الذين لا يعلمون أي مستقبل ينتظرهم.. حتى توالت الأخبار المفجعة.. في البداية حملت نشرات الأخبار قصة تفجيرات مساجد صنعاء الإرهابية.. ثم توالت الأخبار العاجلة حول حادثة التدافع المؤسفة في مشعر منى.. ثم حملت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع الفيديو اللعين الذي يظهر فيه أحد الإرهابيين وهو يستعد لقتل ابن عمه في الصحراء حيث لم يكن في يد المغدور وسيلة لإيقاف هذا الجنون سوى استصراخ ما تبقى من الشهامة والرحمة في قلب ابن العم الإرهابي بتكرار عبارة (تكفى يا سعد.. تكفى يا سعد) ولكن هذه الصرخات الأخيرة لم تمنع الإرهابي المعتوه من إطلاق النار على ابن العم المغدور الذي لم يفعل شيئا سوى الانتساب للسلك العسكري. مقطع الفيديو هذا بالذات أفسد فرحة العيد وبعث في نفسي شعورا كئيبا استمر طوال اليوم ولا أنصح بمشاهدته أبدا ليس لبشاعة المشهد في هذا الزمن المليء بالبشاعات بل لأنه يحمل صورة مفجعة لبداية تلاشي ذلك الشيء الذي نسميه (الإنسانية) في قلوب البشر والدخول في حقبة خالية من إنسانية يمكن أن يتحول فيها الشباب إلى كائنات متوحشة تستمتع بقتل أقرب المقربين إليها دون حاجة إلى سبب!. مرحلة (تكفى يا سعد) هي مرحلة متقدمة في مسيرة الإرهاب، فالقاتل الخسيس يبدو أن عملية تجنيده لقتل أقرب الناس إليه لم تستغرق عدة أيام حيث لا تبدو على (سعد) آثار التدين المزعوم التي يظهر عليها الإرهابيون عادة، كما أنه لم يستطع نطق مبايعته لخليفة «داعش» بالشكل الصحيح ولكنه رغم ذلك وصل إلى أقصى نقطة في عوالم الإرهاب (قتل الأقارب) بسرعة البرق. كيف يتحول الإنسان إلى هذه اللحظة المتوحشة التي يقتل فيها من شاركوه الطفولة وأجمل أيام العمر لصالح أناس لا يعرفهم؟.. هذا هو السؤال الذي يجب أن نرفع علامة استفهامه في كل المنابر كي لا تتبخر إنسانيتنا في غمضة عين.. فهذا الجنون ما كان له أن يكون لولا الخلل العقلي والنفسي الذي يصيب قلوب بعض الشباب هذه الأيام بسبب طغيان موجات التحريض على الإرهاب وغياب قيم التسامح وكذلك بسبب غياب معالم الحياة الحقيقية التي من شأنها دفع الإنسان للتشبث بإنسانيته مهما صغر سنه ومن ذلك العيش بحرية دون تدخل الآخرين في أدق تفاصيل حياته وحرمانه من المباهج الطبيعية بسبب سيطرة أجواء التشدد ومحاربة الثقافة والفنون.. فالجهل والتوحش لم يكونا مرتبطين أبدا بالقراءة والكتابة بل بإبعاد الإنسان عن قيم الحب والسلام والحرية والفرح بهذه الحياة وليس اعتبارها عبئا على صاحبها.. صرخات: (تكفى يا سعد) ذهبت أدراج الرياح لأننا نستسلم يوميا لخرافات من يقولون بأن الموت أجمل بكثير من هذه الحياة البائسة بينما هم ينعمون برغد العيش ويتشبثون بمباهج الدنيا.. مرحلة (تكفى يا سعد) هي الخطر ويستحيل أن ينتهي خطرها بالقبض على القاتل اللعين بل من خلال اقتلاع ثقافة الموت الأسود من جذورها والانتصار للحياة والإنسانية والحرية والسلام والتعايش.