لم يكن سؤالا حارقا كما لم يكن استنكارا جارحا .. كانت صرخة مدوية أطلقتها أم عراقية وهي تقابل إرهابيا خطف ابنها الشاب بشظايا آلة القتل المدمرة التي لا تفرق بين صغير وكبير، ولا ترحم بشرا، طفلا كان أو شابا، امرأة كانت أم رجلا. هذه صورة واحدة فقط لفداحة ما أنتجته ثقافة القتل والإرهاب في عالمنا اليوم. عالمنا العربي يعيش أتون الصراع المستعر بين أطراف سخرت آلة القتل لخطف زهرة الحياة. إنها مرحلة تتساوى فيها الهزائم وتتعادل عندها الخطايا، والكل خاسر تحت كل الظروف وعند كل المفترقات. لا مبرر للقتل باسم الجهاد الديني غير المنضبط، ولا باسم الانسانية ولا باسم السياسة والأحزاب. مبرر القتل الوحيد في عالمنا هو انصياع العقول للتطرف والعنف الأصولي وطغيان الكراهية على القلوب. إنها كراهية الحياة والتطرف في التعبير عن الانتماء لطائفة أو حزب أو أيدولوجية، وجميعها مبررات لا تتفق مع فطرة الإنسان السوية التي تتفيأ الحياة وتعمر الأرض وتسقي الأمل. إن التفجيرات التي تحصد أرواح البشر بالجملة وجرائم الذبح وسفك الدماء في مناطق الحروب المستعرة في عالمنا العربي هي صور بشعة لواقع أكثر بشاعة يغذيه التطرف الديني والصراع المذهبي وفتاوى الجهاد المجانية. إنه القتل في مواجهة الحضارة الإنسانية والتمدن. إنه التطرف في مواجهة قيم الحق والعدل والحياة الإنسانية المهدرة لشباب غادروا أحضان أمهاتهم في عتمة الليل. لن ننسى صرخات الأمهات، لا أم محمد ولا أم علي ولا أم جورج ولا أم موسى. صرخات الأمهات تنتصر للحياة وتمقت القتل ولا تعبأ بدعاة القتل أو بمن يغذي نزعاته الهوجاء في عقول الشباب باسم الدين والجهاد. كلهم في نظر تلك الأم العراقية سواء. كلهم في نظر تلك الأم السعودية سواء. كلهم في نظر تلك الأم السورية سواء. كلهم في نظر تلك الأم المصرية سواء. كلهم مجرمون وسفاكون للدم. من فجر سيارة مفخخة هنا أو هناك، ومن رمى بالشباب في ساحات الجهاد الواهمة هنا أو هناك، ومن عصف بالحياة واقتلع جذور الحب هنا أو هناك. كلهم في الجريمة سواء، لأن الأم ترى وليدها - بذرة الحياة ومستقبل الأمل - يتبدد أشلاء تختلط بالدماء الساخنة، فيغيب عن ناظريها وهو بعد بذرة طرية لم تقو على مواجهة الحياة. حياة أبنائنا لن يعيدها حزب أو صراع، وصرخات أمهاتنا لن تخنقها فتوى جهاد أو تغرير من لبسوا ثياب الوعظ مختلطة بدماء الأبرياء. وبحرقة أم مكلومة في فقد وليدها الشاب في العشرينات من عمره يتماهى السؤال حارقا أفئدتنا «ليش قتلت وليدي؟» نعجز عن الإجابة، تحت أي مبرر، على سؤال تلك الأم الثكلى حين تفقد ابنها دون أن تعرف سببا واحدا لمثل تلك الجريمة البشعة في حق الإنسان.