(سيدة الماسنجر) هو الإصدار الشعري الأخير للشاعر عبد المحسن الحقيل، الصادر بطبعته الأولى عام 1432 ه عن (دار الكفاح) للنشر والتوزيع بالدمام. ويقع هذا الديوان في حدود مئة وعشرين صفحة من القطع المتوسط، جاءت نصوصها متنوعة بين العمودي والتفعيلي وتناولت أغراضا شعرية متنوعة. وعلى الرغم من الخصوصية التي اتسم بها مسمى الديوان، أو عنوانه إلا أن من يتصفحه سيجد أن (سيدة الماسنجر) لم تكن إلا جزئية واحدة ضمن جزئيات متعددة يتألف منها الديوان ككل، لكن شاعره هنا تعمد تغليب الخاص في المضمون على العام كي يمنح إصداره هذا عنوانا جذابا يشد انتباه القراء إليه، حتى وإن اختلف المضمون عن المسمى بقليل منه أو بكثير. أجل، ف (للشعراء فيما يطلقون على دواوينهم مذاهب)!! ومثل هذه الأمور - عموما - ليس فيها ما يعيب الديوان ولا شاعره، إذ أنه من حق أي كاتب أو شاعر أومؤلف أن يختار لديوانه أومؤلفه ما يناسبه من العناوين والمسميات اللائقة، ما دام أنه يؤمن إيمانا تاما بأنه يكتب إبداعا يستحق منا جميعا أن نقرأه، وأن نحترمه أيضا. لقد قسم الشاعر ديوانه هذا إلى قسمين: الأول: عام، وهو أقرب ما يكون للشعر الغنائي أو الوجداني في معظمه، والذي يخاطب من خلاله الشاعر نفسه، وكذلك محيطه الاجتماعي والبيئي، ويعكس تأثيره وتأثره المباشر وغير المباشر في كل ما يحيط به من الكائنات من حوله، مثل قوله في نص جاء بعنوان (لعبة): يا صديقي ليس وهما أن يكون العمر لعبة تنتهي في أي لحظة ليس وهما أن يكون العمر طرفة مثل خيمة مثل بيت يتهاوى سقط الزند وضوء الزند ولى. يا صديقي الثاني: خاص، وهو القسم الأخير من الديوان، الذي عنونه الشاعر ب (شيء من الشعر وكثير من الحب) وهذا القسم الصغير يحتل فقط ثلث صفحات الديوان تقريبا، وقد كان يتميز بخصوصية معينة تتجاوز الذاتية، ويختلف عن القسم الأول من حيث كونه عبارة عن رسائل شعرية موجهة لبعض الشخصيات الثقافية والأدبية البارزة في مجالها، والتي ارتبط معها شاعر الديوان بعلاقات صداقة أو مودة أو زمالة أوعلاقات حميمية وإنسانية معينة مثل: الأستاذ الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية سابقا، والدكتور إبراهيم التركي، والأستاذ الدكتور محمد القاضي والشاعر السعودي الراحل الكبير محمد الثبيتي (رحمه الله تعالى)، وغيرهم. وكمثال على ذلك ما جاء من نص تحت عنوان (قم يا محمد) مخاطبا به الشاعر الثبيتي بقوله: قم يا محمد فالشعر والشعراء أنت أميرهم والنص أنت إمامه قم يا محمد كي تعود القافية نفسي فداؤك ما الشعور؟ ما الشعر؟ ما الإيمان؟ ما الصوت الأصيل؟ ما الحق؟ ما معنى الجليل؟ ما الحب؟ ما النفس الجميل؟ قلبي فداؤك ما القصيد؟ ما الرمز؟ ما الإيماء؟ ما اللحن الفريد؟ ما الخوف؟ ما الترميز؟ ما معنى النشيد؟ أشياء أنت وهبتها فمضت معك إذ ودع الصبر محب ودعك. وإن كان ثمة ما تجب الإشارة إليه في نهاية حديثنا عن هذا الديوان وشاعره، فهو تلك (الحوارية والاستفهامية) التي تلبد بها المناخ العام للنصوص. أي أن الشاعر حاول طوال امتداد صفحات ديوانه الابتعاد عن الخطابية والمباشرة والتقريرية الإخبارية، مستخدما الحوار داخل النص ذاته حينا واللغة الشعرية الاستفهامية حينا آخر، حيث يندر أن تجد مقطعا شعريا واحدا يخلو من هذه السمة، كما مر بنا قبل قليل في النص الذي خاطب به (الثبيتي). وهذه السمة منحت كافة النصوص آفاقا جديدة، تجعل القارئ – بلا شك – يحلق في خياله ويعمل تفكيره مع مثل هذه الحوارية والاستفهامات المتكررة، المطلقة، أو المفتوحة، والتي لا يبحث عبرها الشاعر عن إجابات محددة بقدر ما تعني له أسئلة على نحو إخباري غير مباشر، يستحث من خلاله فضول القارئ، كي يجيب عنها بنفسه دون أن يقحم الشاعر نفسه فيها مثل: ما الشعر؟ ما الإيمان؟ ما الحب؟ ما النفس الجميل؟ ما القصيد ؟.....إلخ. وهذا موجود بكثرة في كافة نصوص الديوان. ثم إن ذلك أيضا يجعل القارئ طرفا في هذه الحوارية التي لا يريد الشاعر - في الوقت ذاته – أن يكون هو طرفها الوحيد وإنما يريد أن يشاركه بها غيره من قرائه كذلك.