لا أعرف سببا مقنعا يبرر تعطيل سن قانون لمكافحة التحرش، على الرغم من تفشي هذه المشكلة، فالآراء في مجلس الشورى حيال ذلك النظام لا تزال متأرجحة بين مع وضد، دون الاختلاف على مبدأ حاجة المجتمع إلى قانون كهذا، لأنه سيعمل على تغيير الفكرة السائدة التي مفادها أن المرأة هي فقط من يتحرش بها، فالقانون نص على أنه قد يكون المتحرش به رجلا أو طفلا. وسيعمل قانون التحرش على حماية كل الفئات، كما أنه سيقف عند مسائل كانت تحال على الأحكام التعزيرية في القضاء، لذلك أجزم بأن قانون الحماية من التحرش في حال إقراره هو الأقوى والأشمل للجميع ويهتم بمسألة الحماية في الأماكن العامة. واستغرب المسوغات التي يسوقها معارضو قانون مكافحة التحرش ومنها أنه يعزز الاختلاط، على الرغم من أن الاختلاط العام فطرة طبيعية في كل مكان وزمان، فمثلا الموظفات اللواتي يعملن في المستشفيات وجودهن في هذا المكان طبيعي ومهم. وما يزيد حيرتي وتساؤلاتي هو أن البعض يحمل ضحايا التحرش من النساء، مسؤولية ما تعرضن له، لأنهن بحسب هؤلاء، يمارسن سلوكا يدفع الشباب للتحرش بهن، في الملبس أو في التصرفات، لكن من يتابع المقاطع المصورة لحالات التحرش المتداولة يرى أن غالبية النساء الضحايا فيها، محتشمات! أما مطالبة المرأة بالعودة إلى بيتها، لكي لا تواجه التحرش، فهي محاولة لسلب المرأة حقها في الوجود ضمن المساحات العامة، بشكل طبيعي، فالمرأة في ماضينا القريب كانت تشارك الرجل في كثير من الأعمال مثل الزراعة والبيع في الأسواق، ولا تتعرض لأي أذى أو تحرش سواء كانت تغطي وجهها أو لا تغطيه، لأنه كان لدى الناس شيء من الذوق والاحترام لها ولأنفسهم أولا. والتزام الشباب بالأدب في تعاملهم مع المرأة في الدول المنفتحة عربية أو أجنبية، على الرغم من أن النساء فيها غير محتشمات، بينما البعض يتجردون من ذلك الأدب في الداخل، أن لا تثير تلك الازدواجية التساؤلات، لكن الإجابة عليها تؤكد أن وجود قوانين تحمي من التحرش في تلك الدول، جاءت رادعا لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الفتيات سواء لفظيا أو جسديا. ويجب علينا أن نحترم جميع الثقافات حتى لو اختلفنا معها، إذ يعيش في بلادنا كثير من الوافدين من جنسيات وأديان مختلفة يشاركوننا في عملية البناء والتنمية، وديننا الحنيف يحثنا على التعامل معهم بالحسنى، فربما يكون ذلك سببا في دخولهم الإسلام، فالدين المعاملة.