من طبيعة ثقافتنا المجتمعية، استبعاد وقوع الخطر، ومن ثم التهاون في أخذ الحيطة، في كثير من أمور السلامة، كالتهاون في ربط أحزمة الأمان في السيارة، والتهاون في تغطية الحفر وفتحات المجاري وخزانات الماء، فتكون شباكا فاغرة فاها تصطاد العابرين الغافلين، ومثل ترك أسلاك الكهرباء مكشوفة في متناول عبث الأطفال، أو السماح للأطفال باللعب في المطبخ قريبا من الموقد المشتعل والماء الساخن، وغير ذلك من صور استبعاد وقوع الخطر والتهاون في أخذ الحيطة من أجل السلامة، والنتيجة غالبا، هي حدوث كوارث تفقد بسببها الأرواح أو تورث إصابات دائمة. وهذه الثقافة المستبعدة للخطر، لا تظهر مدلولاتها في سلوك العامة وحدهم، وإنما هي تمتد لتلقي بظلها أحيانا حتى على إدارة الجهات الرسمية، ولا غرابة في ذلك فالذين يديرون العمل في تلك الجهات هم أبناء الوطن نتاج ما فيه من ثقافة. يوم أمس قرات في هذه الصحيفة أن جملا في جادة سوق عكاظ، تسبب في إيذاء طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، وذلك عندما اقترب الطفل من الجمل متحرشا به، فغضب الجمل واتجه لمهاجمة الطفل، وكادت أن تحدث كارثة لولا أن الله لطف بالصغير فأسرع إليه والده ودفعه بعيدا عن الجمل، لكن الطفل سقط على الأرض وارتطم رأسه بالرصيف فأصيب بنزيف في الرأس. حادثة كهذه هي دلالة جلية على أن تفكيرنا يغلب عليه استبعاد وقوع الخطر، وإلا كيف يترك طفل صغير كهذا يقترب من الإبل ليتحرش بها؟ كيف يحدث ذلك إن لم يكن استبعاد تعرضه للأذى هو ما كان مسيطرا على فكر أبيه؟ وقبل هذا، كيف يسمح للناس بالاقتراب من الإبل بهذه الصورة، رغم ما يثار حولها حاليا من اتهامات بتسببها في نقل مرض الكورونا الخطير لولا أن استبعاد خطر التقاط فايروس المرض كان هو المسيطر على فكر المنظمين لفعاليات الجادة! لقد كان آخر ما يخطر بالبال أن تجلب الإبل إلى جادة سوق عكاظ وتترك قريبة من الناس يختلط بها الكبار والصغار في مثل هذه الأيام، التي يُنصح فيها الناس بالابتعاد عن مخالطة الإبل إثر تزايد الشكوك، التي تدعمها بعض الدراسات العلمية، حول وجود علاقة ارتباطية بين الإبل وانتشار مرض الكورونا، المتصاعد عدد الإصابات به يوما بعد يوم.!!