من الصور الثقافية في مجتمعنا استبعاد كثير من الناس لوقوع الخطر ومن ثم عدم اكتراثهم بأخذ الحيطة والحذر، ليس هذا فحسب بل إنهم ينظرون إلى من يفعل ذلك كما لو أنه (موسوس) مفرط في الخوف والتشاؤم أو سوء الظن، فينشطون في محاولات ثنيه عن (مخاوفه) بترديد عبارات مثل (الله الحافظ) (اللي مكتوب عليك بيجيك) (كل شيء مقدر) إلى آخر تلك العبارات التي تبدو في ظاهرها معبرة عن الإيمان بالقضاء والقدر، إلا أنها في أذهان الناس وظفت بطريقة غير صحيحة. فالايمان بالقضاء والقدر لا يعني مطلقا عدم الحيطة، بل إن الله سبحانه أمر عباده بأخذ الحيطة مثل {ولا تلقوا يأيديكم الى التهلكة} {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} ومثل إرشاده صلى الله عليه وسلم (اعقلها وتوكل) وغير ذلك، فأخذ الحذر واتباع الحيطة لا يعني البتة الهروب من القدر. إن أكثر المتضررين من ثقافة استبعاد وقوع الخطر هم الأطفال. وفي بلادنا تتعرض نسبة كبيرة من الصغار للأذى بسبب إهمال أهلهم أو المسئولين عن رعايتهم، فيقعون في الحفر والآبار وخزانات الماء المفتوحة، ويصعقون بأسلاك الكهرباء المكشوفة، ويحترقون بالمواقد أو الماء الساخن، ويتسممون بشرب مواد ضارة ملقاة في متناول أيديهم، وينقلون في السيارات بلا كراسي خاصة بهم، بل أسوأ من هذا أن كثيرا من الأهل بسبب استبعادهم وقوع الخطر يتركون الصغار يطلون برؤوسهم من نافذة السيارة المفتوحة أثناء سيرها، أو يضعون الأطفال في حجورهم أثناء قيادتهم السيارة يريدون إبهاجهم أو إسكاتهم عن البكاء، أو يتركونهم يلعبون خارج البيت بلا رقابة ويرافقون السائق منفردين، أو غير ذلك من صور إهمال الإشراف على الأطفال نتيجة استبعاد احتمالات الخطر التي تتربص بهم. تقول الدكتورة مها المنيف المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري، إن أطباء الأطفال والعاملين في الطوارئ والشرطة والإسعاف يعرفون مدى ما يتعرض له الأطفال من الحوادث العرضية داخل المنازل وخارجها بسبب الغفلة وحسن الظن واستبعاد وقوع الخطر، ونحن وإن استطعنا حماية أطفالنا بفضل الله ثم بفضل يرنامج التحصين الطبي للأطفال، من كثير من الأمراض المعدية التي كانت تفتك بهم من قبل، إلا أننا إلى الآن لم نستطع حمايتهم من الحوادث التي تصيبهم بسبب إهمال أهلهم وتفريطهم، فقد جاء في تقرير لوزارة الصحة أن السبب الأول لإصابات الأطفال دون سن الخامسة هو الحوادث العرضية والمتعمدة على السواء. هذا يعني أننا في حاجة، كما تقول الدكتورة مها المنيف إلى برنامج وقائي شامل، فحماية الأطفال من الأذى لا تعني مجرد وقايتهم من الإيذاء المتعمد، وإنما يدخل فيها أيضا وقايتهم من الأذى الذي يصيبهم عرضا بسبب الإهمال أو قصور الوعي عن إدراك العواقب الضارة. إننا في حاجة إلى برنامج وقائي يركز على نشر الوعي بين الناس، فينبههم إلى أن سلامة أطفالهم ترتبط بهم، وأنهم مسئولون عن ذلك أمام ربهم ومعرضون لعقوبة النظام إن هم قصروا في ذلك.