لقد سرني أن هذه السيرة في كتاب يقرأ بعد أن استجاب صاحب السيرة لمن يعز عليه فدون سيرته، لأن الخبرات في حياة الإنسان هي خير معين لجيل اليوم الذي جد في حياتهم ما لم يكن في آبائهم الأولين، كما أن خبرة السابقين تختصر عليك التجارب، وحينما توثق السيرة من صاحبها أصدق من أن يوثقها غيره، كما أنه يرى انطباع القراء عما جاء في هذه السيرة، فآراء الناس ترثي على كل حال. وسيرة الشيخ عبدالرحمن فقيه سيرة حافلة تحدث فيها عن نشأته ودراسته وأعماله، وهي تشكل نسيجا متنوعا أظهرت مرحلة في تاريخ مكةالمكرمة الاجتماعي والثقافي، وفيه من التوثيق لمواقع ورجال وأيام، وهي سيرة رجل أعمال ناجح أوضحت للقارئ الطموح الذي لا يعرف حدود ومدى الصبر والتحمل والمشقة في مراحل البدايات والتأسيس والفكر الذي بنى به نشاطه التجاري، وقد ارتبط اسمه بمكةالمكرمة فلا يكاد مكي لا يعرف وجيه مكة، وأصبح علما من أعلام هذا الوطن المعطاء. بعد قراءتي للسيرة أردت أن أدون رأيا شخصيا عن مفاتيح النجاح، خاصة أني اطلعت من قريب على شمائل كريمة أردت أن يشاركني فيها القارئ الكريم: المنهج الطيب الثراء يفتح للإنسان الباب أمام رغائب الحياة، وعندما تجد ثريا له منهج طيب يحافظ فيه على صلاة الجماعة ويعظم شعائر الدين في جوار البيت العتيق وينفق من ماله في البر وسبل الخير فهذا المنهج من المناهج التي تذكر فتشكر، خاصة ما نراه اليوم في عالم الثراء من تفاخر وتكاثر وخروج عن القيم والمبادئ واستباحة الحصول على المال بكل الوسائل، وقد امتلأت الصحف والمجلات ووسائل الإعلام بما لا يسر الخاطر، فوجود المنهج الطيب في مجتمع التجار ورجال الأعمال يستحق أن يعرض للقراء. إنسان نبيل الشيخ عبدالرحمن فقيه رجل حازم، وهو إنسان طيب نبيل محب لمكارم الأخلاق كريم اليد، سباق إلى الخير، حوى أخلاق وقيم الجيل الأول، وتربى على مبادئ اختفى شيء منها في مجتمعنا، وهو يعيدها ويذكرنا بها، فهو أصيل في معدنه، نبيل في معشره، بيته مفتوح للجميع، يسعى لخدمة المساكين والضعاف، ويحس بمشاعر الفقراء والمعوزين، ويتلمس آلام المرضى والمنكوبين، فيبذل ما في وسعه ويتمنى أن يرفع الألم والعوز والمرض عن الجميع، يحرص على المشاركة في المناسبات الاجتماعية، ولا يألو جهدا في الشفاعة الحسنة، ولا شك أن من ورث هذه القيم العالية كان آخذا بمفتاح من أهم مفاتيح النجاح. النظام والدقة مما يميز صاحب السيرة تنظيم أعماله ضمن جدول يعد سلفا بمعرفته، وهو حافل بالعديد من الأعمال المتتابعة والاجتماعات واللقاءات، وهو ملتزم في مواعيده واجتماعاته، يعطي كل لقاء حقه من النقاش والبحث والدراسة، وإذا لم يكتمل البحث والنقاش فهو يرجئ ذلك لموعد آخر حتى يشبع الموضوع بحثا، ويتميز - ما شاء الله لا قوة إلا بالله - بأنه دقيق في قراءة الأوراق وفحصها وفهم مضمونها، فلا تكاد تمر عليه شاردة أو واردة إلا وقع بصره عليها، وله إلهام عجيب يرى من خلاله نقاط الضعف والخلل فيما يعرض عليه، وهذه الرؤية الثاقبة منحة إلهية تنامت مع الخبرة الطويلة في الأعمال وتعددها، إضافة إلى ذلك كله فهو دائم الاستشارة فلا يحسم أمرا ملتبسا عليه إلا بعد المشورة والدراسة حتى يتضح له وجه الحقيقة، فإذا اتضحت فإنه يعزم ويتوكل على الله بهمة وثابة وعزيمة ماضية. المتابعة الشخصية إن من أجل نعم الله تعالى على الشيخ عبدالرحمن الذاكرة التي يستعيد بها الأحداث بسرعة فائقة، كما أنه إنسان منظم في جميع أعماله، ولديه أرشيف يعود لأكثر من خمسين سنة، وأذكر في إحدى القضايا التي كانت تتطلب الرجوع إلى مستندات منذ ثلاثين عاما في أرشيف مزارع فقيه لإثبات دعوى وعدم وجود المستندات يعني خسارتها ومبلغها كبير فتمت الاستعانة بالأرشيف المنظم حتى أثبت المبلغ ولم يتبق سوى مبلغ يسير، ومع ذلك أصر على إظهار المستندات من الأرشيف حتى يطمئن على حسن تنظيم الأرشيف، ويتضح مطابقة الأرقام للدعوى؛ وبالفعل صدر الحكم بالرقم المطابق للحسابات، وهو في ذات الوقت متابع حصيف بالرغم من تعدد أعماله وكثرتها، وقد من الله عز وجل عليه بالبركة في الوقت وحسن النظام، وكان فضل الله عليه عظيما. العمل بروح الفريق أحيط الشيخ عبدالرحمن بفريق عمل في مشاريعه المختلفة من المحبين والمخلصين له، وهذه نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، كما أنه محب ومخلص لأسرته، فأبناؤه وأحفاده وأقاربه من ضمن فريق العمل الذي يعمل معه، وهو في العمل لا يعرف قريبا أو بعيدا وإنما يطبق المنهج مع الجميع ولا مجال للتجاوز، وقد يضاعف المسؤولية على الأقارب، كما أنه يعين الموظفين في المكان المناسب لقدراتهم، ومع ذلك ففريق العمل الذي يعملون معه يشعرون أنهم يعملون عملا يخصهم بالذات، وهذا الشعور يوصله لهم بأسلوبه الهادئ وبمشاركة الجميع في الرأي والمشورة، فتجدهم يتفانون في أداء العمل بالرغم أن العمل يتطلب اليقظة والاهتمام، كونه منضبطا في مواعيده متابعا لعمله يعلم مدى إنجاز كل موظف، صارم في قراراته وليس لديه مجال للإهمال أو التواني أو الكسل، وحازم في اتخاذ القرارات، وهذا مفتاح من مفاتيح النجاح. أيها القارئ الكريم: إن قراءة السير الذاتية للناجحين معين عذب لجيل الشباب، فهو يختصر لك مسيرة حياة في صفحات تقرأ في ساعات، ولكن المعلومة الصادقة تظل في ذهن القارئ طوال حياته، وقد تغير معلومة حياة وتفتح آفاقا وتحقق مكاسب، وما كتبته في هذه القراءة هي لمحات عن تلك اللمحات، الهدف منها تذكير جيل اليوم الراغب في النجاح، كيف عرف الجيل الأول قيمة الوقت وأنفق كل لحظة فيما يفيد، وأن النجاح لم يتحقق إلا بالمثابرة والعمل الدؤوب، وأهم من ذلك كله أن الجانب المعنوي من الصدق والوفاء والتمسك بالقيم والفضائل هو الجانب الأهم، وهو ميزان النجاح الحقيقي، فالثروة ميراث موزع والقيم ميراث باق.