لخص الشيخ عبدالرحمن عبدالقادر فقيه سيرة 90 عاما من حياته في إصدار جديد «لمحات من حياتي» في 372 صفحة، بعد أن أثاره سؤال لحفيده عما إذا كان والده قد أخذه في طفولته إلى ملاهي ديزني في باريس، هذا السؤال البريء دفع المؤلف لأن يروي الفرق بين طفولته وطفولة حفيده التي تشبه اختلاف صيف مكة اللاهب وبرودة الهدا، فلا مجال للمقارنة بين رفاهية اليوم وقسوة الأمس البعيد حسب وصفه في مقدمة كتابه. لقد جاوب الشيخ عبدالرحمن حفيده في كتابه الذي يحمل ذكريات الزمان والمكان بأن حياته مع والديه لم يكن فيها كهرباء ولا سيارات ولا «ميكي ماوس» ولا جهاز حاسب آلي ولا حتى مدارس مثل مدرسته اليوم، بل إن العالم الذي يعيشونه الآن قد لا يشبه العالم الذي عشناه، وقال «لم يعرف جيل اليوم حياة الحفر في الصخر لاستخراج قوته، فقد أنعم الله على بلادنا برخاء لم نعهده من قبل، ولكن علينا ونحن نتمتع بهذه النعم أن لا ننسى ما جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله «اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم». ووجه الشيخ عبدالرحمن رسائل عظيمة لجيل اليوم، أهمها أن الحياة لا تبتسم إلا لمن يجتهد ويتعب ويتوكل على الله في البحث عن الأفضل بكل الطرق الأخلاقية والشريفة المتاحة أمامه، وأن ما يتمتع به الأبناء هذه الأيام من رغد في العيش هو نتاج نضال آبائهم وكفاحهم حتى اختلط الحبر بالعرق، وأكد أنه لم يسطر كتابه رغبة في استعراض أمجاد أو بطولات، ولكن ليفيد أبناءه وأحفاده، وليبرهن أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وهو المبدأ الذي شكل هوية وقناعة مشواره الطويل. وإذا كانت السيرة فيها العبر، فإن مقدمتها تلقي الدرس من أخلاق ذلك الجيل، فكاتبها صاحب تجربة تستحق التأمل لمن يريد أن يتعرف على أخلاق الكبار. قدم الشيخ صالح كامل الكتاب بقوله «أعرف الشيخ عبدالرحمن فقيه حق المعرفة بدرجة لا تقل عن معرفته هو لذاته. ذلك أن العظماء من الرجال ووجهاء القوم لا تفتأ أعمالهم تطوف بين الناس بالخير وتسعى بالثناء ما دام في الحي زامر». وأضاف «حولته الرغبة المخلصة لتأمين احتياجات البسطاء من ملبس وغذاء إلى باحث ومخترع يتاجر من أجلهم ولا يتاجر بهم وتلك لعمري تجارة لن تبور». وأشار إلى أن المتصفح لهذه السيرة العطرة سيكتشف ذلك العمق الإيماني والتوجه الإنساني اللذين أثريا مشواره العلمي وجعلا منه رائدا من رواد الأمل في زمن كان فيه مجتمعنا محدود الإمكانات وقليل الخبرات. وتناول صاحب السيرة في الفصل الأول الحياة الدراسية مطعمة بصور نادرة له ولوالده رحمه الله وإخوته، وفي الفصل الثاني استعرض حياة العمل والدراسة، أما الفصل الثالث فأورد تلك الحروب والتحديات ومنها الحرب العالمية الثانية وأزمتها وانعكاساتها، وفي الفصل الرابع تناول مرحلة ما بعد الحرب العالمية، وفي الفصل الخامس مرحلة صناعة الدواجن، وتناول في الفصول من السادس إلى العاشر مشاريعه التي نجحت بشكل ملفت، مستعرضا العديد من المواقف التي أسهمت في نجاحها، ويعد الكتاب دعوة لكال قارئ جاد وشاب طموح قد يكون ملهما له ليدفعه لتحقيق أحلامه بعزيمة وخلفية ثقافية.