وصلني عبر تلفوني الجوال هذا (الواتس أب) عن حمام الحرم، ولما له من قدسيه حسب وجهة نظر المرسل. ومع احترامي لوجهة نظره الخيالية تلك، فلي رأي واقعي آخر مع محبتي واحترامي للحمام عموما، المهم أن المرسل يؤكد لي: أن حمام الحرم لا يزيد نسله ولا ينقص، ولا أدري من أي مصدر استقى إحصائيته تلك؟!، فالحمام شأنه شأن العصافير والغربان وكل طيور الله المحلقة بالسماء، تزيد أو تنقص، ولا شأن للكعبة أو الدين بها، والمشكلة أننا نحشر كل الظواهر الطبيعية بالدين، والدين أوسع وأكبر منها. ويزعم فيما يزعم أن حمام الحرم لديه مناعة قوية من الأمراض، مع أنني كثيرا ما شاهدت منها حمامة عرجاء أو عوراء أو عليلة أو منتوفا ريشها. ويقول: إن الحمام يطير في حلقات دائرية حول الكعبة ولا يحلق فوقها، ولا أظن أنني سوف (أغلط بالبخاري)، إذا قلت له إنني شاهدت بأم عيني أكثر من حمامة وهي تعبر الحرم عدة مرات وتحلق فوق وحول الكعبة ذهابا وإيابا، وزادتني بتحليقها ذاك خشوعا. كما أنه يصر على لأن الحمام لا يترك إطلاقاً فضلاته في الحرم، إذا كان هذا فكيف إذا نفهم أن الإدارة القائمة على الحرم تمنع الناس المرتادين للحرم الشريف من نثر الحبوب في ساحاته لكي يبتعد عنها ولا يوسخها بفضلاته، وهذا إجراء حسن وتشكر عليه، وقديما عندما كانت ساحات الحرمين الشريفين في مكة والمدينة مفروشة (بالحصباء) كانوا يستأجرون الصبيان ويسمونهم (كشاشين وقشاشين) أي ليكشوا الحمام ويطردوه ومن ثم ليقشوا فيما بعد فضلاته؟! وانتهى أخينا بالله إلى أن لحم حمام الحرم لا ينضج أبدا، وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد لي من ذكر هذه المعلومة أو الاعتراف دون أن اخجل، فقد قدر لي أن أرسب في السنة الأولى الثانوية، وعز علي ذلك وأنا (ابن جلا وطلاع الثنايا)، فاستغللت وقتها أن هناك نظام (الثلاث سنوات)، فقررت أن أخوض غمارها على مبدأ (البحر وراءكم والعدو أمامكم)، فإما أن أنجح أو أترك الدراسة نهائيا، فكنت أحضر دروس الثانية ثانوي كمستمع، وأدرس دروسا خصوصيه للتوجيهي، وحبست نفسي في المنزل سبعة أشهر، وجاء رقم جلوسي وامتحاني في مكة، وحيث أنني لا أعرف فيها أحدا غير طالب كان يمتحن في السنة النهائية بكلية الشريعة، فسكنت معه ومع زملائه الأربعة في شقه بالطابق الخامس وكلهم طلاب شريعة، باختصار الحمد لله أنني نجحت وذهبت للخارج لإكمال دراستي. الشاهد أنه لفت نظري أنهم أحيانا كانوا يتصيدون الحمام النائم في النوافذ الخشبية ويطبخون عليه (كبسات)، ويعلم الله أنني لم أشاركهم الأكل يوما. فمبدئي طوال عمري أن الحمامة هي أودع طائر بالدنيا فكيف تؤكل؟!، فسلاحها الوحيد للدفاع عن نفسها هما جناحاها وسرعتها بالطيران؛ لهذا اختارها العالم رمزا للسلام. يكفي حسب ما تذكره الروايات أنها عشعشت وباضت على مدخل غار ثور، عندما كان المصطفى وصاحبه مختبئين فيه، وساهمت هي بالتمويه على أعدائه؛ لهذا من الممكن أن نعتبرها جندية من جنود الله.