لتوضيح الفكرة المدفونة في العنوان أنصح من يهمه مستقبل أبنائه وأبناء أبنائه أن يذهب إلى أقرب حقل مكشوف في طرف بستان ويتفرج على الطيور هناك. الحقل يتسع للجميع، وفيه من الحبوب والبذور ما يكفي للجميع بما فيهم الغربان. الحمام واليمام والعصافير وكل الألوان والأحجام والأشكال من الطيور تكتفي بما تعثر عليه، ثم تتقافز متداخلة مع بعضها بحثًا عن رزق آخر، ما عدا الغربان. الغراب عندما يرى حمامة أو عصفورًا أو أي طير آخر عثر على ما يؤكل، يزدرد بسرعة فائقة ما في منقاره ثم ينقض على ما عند الطير الآخر ليختطفه منه ويحلق بعيدًا ليستأثر به لنفسه. مثلما أن غربان الطيور تسرق الطعام، توجد غربان من البشر تسرق المستقبل. العرب يعيشون في جزء منكوب من العالم، بل هو الأكثر تعرضًا للنكبات التي يصنعها البشر على الإطلاق، منكوب بأهله وفهمهم للعقائد والمذاهب وشروط التعايش والحقوق والحريات. سؤال الساعة هو، ما دام هذا الجزء من العالم يعيش في الماضي، إذًا أين المستقبل في هذه الجغرافيا المسماة الشرق الأوسط؟. من يزعم رؤية بصيص مستقبل في الأفق يكذب علينا متعمدًا، لأنه ببساطة مستمتع بالماضي أما المستقبل فعدوه اللدود. تعلال الشعوب بالآمال طريقة قديمة وناجحة للصبر على الماضي، مثل تعلال المظلوم بالحصول على حقوقه بالدار الآخرة، وذلك حق تضمنه العدالة الإلهية ولكن الخلط بين عدالة الله وعدالة البشر لا يجوز. لكن من الذي سرق المستقبل في هذا الجزء المنكوب من العالم ومن ساكنيه البالغ عددهم أربعمائة مليون إِنسان، ومتى تمت السرقة. لا بد أن مجتمعات هذا الشرق الأوسط تعج بالغربان، أحجام وفصائل يجمع بينها اللون الواحد والنعيق المتشابه، ولذلك تكره كل الألوان ما عدا لونها الذي ليس بلون وكل الأصوات ما عدا نعيقها الذي لا نغمة فيه. الأخضر والأزرق والأصفر والأحمر من ألوان الطيور الجميلة، والزقزقة والتغريد والصفير من ألحانها المحببة، لكن الغربان تحسد سائر الطيور على ألوانها وأصواتها وتداخلها لالتقاط البذور جنبًا إلى جنب، فتعمد إلى سرقة محاصيلها وتعكر عليها التعايش وتضيق عليها مساحات الحركة والغناء. عجيبة أوجه الشبه بين ما يحدث لعالم الطيور من فصائل الغربان وما يحدث لعالم البشر من أصحاب العقليات الغرابية. الغربان تعكر استمتاع الطيور بفصول السنة وتسرق منها الثمار، وغربان البشر تسرق المستقبل. يبدو أن مفاتيح المستقبل في الشرق الأوسط معلقة بمناقير غربان من فصائل مختلفة ذات لون واحد، والمستقبل يتطلب استرداد المفاتيح من مناقير كل فصائل الغربان.