لجأت وزارة التجارة والصناعة خلال الفترة الأخيرة للتشهير بالتجار المخالفين والمستغلين، الذين يرفعون الأسعار أو من يمارسون الغش التجاري الذي يضر بالمستهلك وحقوقه، عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تحرك في الاتجاه الآخر من جانب كبار التجار والغرف التجارية للالتقاء بالوزير والمسؤولين، دفاعا عن سمعتهم التي طالما بذلوا وقتا طويلا كي يبنوها عبر سنوات من العمل الدؤوب. «عكاظ» أقامت الندوة للتعرف على الأساليب النظامية التي يمكن من خلالها الحفاظ على حقوق المستهلكين والمجتمع في الحصول على سلع سليمة غير مغشوشة وبعيدا عن أساليب الغش أو المغالاة من جانب، وفي ذات الوقت نحمي التجار الشرفاء غير المستغلين من الإساءة لسمعتهم من جانب آخر. كبار المسؤولين في البيوت التجارية الجداوية شاركوا في الندوة للحديث عن هذا الموضوع الشائك: حماية مصالح المستهلك والتاجر في ذات الوقت حتى لا يضار أحدهما، والإجراءات تنال من سمعة التاجر المعروف، جراء اللجوء للتشهير كعقوبة تطال التجار، ومدى تأثير تلك العقوبة على سمعة التجار، والآثار العكسية لهذا التشهير، وهل العقوبات المالية تعد مجدية، إضافة لأبرز الحالات المستحقة للتشهير، وهل الخطأ الذي يحدث من أحد فروع المحال التجارية والتشهير به سيسهم في إلحاق الضرر على سمعة بقية الفروع والجهة نفسها. هذه الأسئلة وغيرها كانت على الطاولة أمام حضور الندوة، فكانت الإجابات على النحو التالي: فيما يختص بسمعة التاجر المعروف الذي أخطأ ومدى تأثره نتيجة التشهير به قال رجل الأعمال علي حسين علي رضا: إن الضرر على سمعة التاجر جراء هذا التشهير كبير جدا وله أبعاد واسعة على كافة الأوساط التجارية داخل المملكة وخارجها، مبينا أن التشهير له شروطه ونظامه، وأن التجار غير معترضين على التاجر المستحق للتشهير، وإنما يفترض اللجوء لهذه العقوبة كآخر الخطوات بعد نفاد كافة العقوبات، وذلك لأن أثر التشهير كبيرا جدا على السمعة التجارية، منوها بأن المستهلك أيضا سيتضرر. فالتشهير وآثاره تتجاوز أثر الغرامة. عقوبات المستغلين وعن قيام بعض التجار بالمبالغة في الأسعار، قالت سيدة الأعمال ورئيس اللجنة التجارية بغرفة جدة نشوى طاهر: منذ القدم كان التاجر ينعت لدينا ب «الصادق الأمين»، ومع التشهير تغير الحال إلى اعتقاد الناس بأنه اللص، ما أدى لترسخ معلومة لدى المستهلك بأن التاجر لصا، موضحة بأن الإعلام ساهم في هذه السمعة، وعند سؤال المستهلك ما هي الأسباب لا نجد إجابات واضحة، فالتاجر في نهاية الأمر مستهلك أيضا لسلع أخرى، وعند التحدث عن ارتفاع في الأسعار، لابد في النظر أولا للأسباب التي ساهمت في هذا الشأن دون اللجوء مباشرة للتشهير بالتاجر، فقد يكون هو نفسه ضحية الأسواق أو الظروف الخارجية. وذكرت طاهر أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعا في أسعار الشحن وارتفاع تكلفة التأمين نظرا للأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وقلة وجود الإمكانات الكافية في الموانئ الجافة والبحرية، إضافة للقصور الكبير في البنية التحتية للنقل، وقلة وجود الإمكانات والأجهزة التي لها تأثير مباشر على أسعار النقل، فهذه الأمور يتحملها التاجر، وهي سبب رئيس في رفع الأسعار. والمستهلك البسيط يعتقد أن التاجر مسببها دون معرفته بأن هذه أمور خارجة عن إرادته. إيضاح التكلفة وعن الدور الذي يفترض من التاجر القيام به لإيضاح هذه التكاليف الخارجة عن إرادته بينت نشوى أن الغرف التجارية ولجانها عملت منذ 8 سنوات لإيضاح التكاليف، وللأسف لم يتم التعامل معها بطريقة جيدة، فالانطباع أصبح مؤكدا لدى الناس أن التاجر هو سبب هذا الارتفاع. مساواة العقوبة وعن مساواة العقوبة بين كبار التجار الذين بنوا سمعتهم لسنوات طويلة، والتاجر المبتدئ كان لعضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، ونائب رئيس بيت بن زقر التجاري، سعيد بن محمد عبيد بن زقر رأي آخر، إذ يقول إن السمعة هي رأس مال التاجر، وكبار التجار يتوارثون لبناء سمعتهم الحسنة جيلا بعد جيل والتي قد تزال في لحظة، فالجهات الرسمية تلعب دورا رئيسيا في حماية المستهلك وهذا لا غبار عليه ولا انتقاص، بشكل عام هناك جهات قد يطغى التفكير السلبي عليها مقابل التفكير الإيجابي، فعلى سبيل المثال عند منع دخول المملكة لدواء ضار يتم شكر هيئة الغذاء والدواء وينوه بجهودها، ولكن عند إنتاج دواء له فوائد فلن يأخذ ذلك الزخم الكبير، مبينا أن المستهلك واحد، وأنه من غير المنطقي معاقبة تاجر صاحب السمعة بعقوبات مختلفة عن التاجر الآخر، ويجب معاقبتهم بالطريقة نفسها، ولكن صاحب السمعة أحرص على المصداقية والشفافية، مشددا على أهمية أن تقوم الغرف التجارية والصحافة بالحديث عن هذه المواضيع، مشددا على ضرورة أن تتم أي عقوبات تقع على التاجر بشكل متساو من قبل وزارة التجارة حفاظا على مصداقيتها. استخدام مفرط وردا على التساؤل: عند حدوث خطأ معين من أحد الفروع والتشهير به أو إغلاقه، فهل سيسهم هذا في الضرر ببقية الفروع وليس الفرع المخالف؟، بين علي رضا أن التشهير يعد عقابا، فوزارة التجارة والصناعة عند تطبيقها لعقاب ما، عليها وضع ضوابط لنفسها أولا إضافة لوضع وزارة العدل ضوابط على أي جهة أخرى، للتأكد من أن المخالفة التي صدرت مستحقة للتشهير دون ظلم التاجر، فالتجارة كما يبدو ليس لديها هذه الضوابط، وبحكم خبرتي الشخصية هناك مخالفات عديدة لا تستحق التشهير، لأن الهدف الرئيسي من التشهير ردع المخالف صاحب المخالفة «شبه الإجرامية» عن مخالفته، فوزارة التجارة استخدمت عقوبة التشهير بشكل «مفرط» في الآونة الأخيرة، موضحا أن استخدام العقوبة أصبح غاية وليس عقابا، فعدم توفير قطعة غيار معينة لعدم توفرها في الشركة الأم أو الشركة المصنعة يعاقب عليها الوكيل، وهذا لا يعد عدلا، مشيرا إلى أن الوكلاء التجاريين التقوا عدة مرات بوزير التجارة، الذي يظهر كفاءة ورغبة في تحقيق العدل بين التاجر والمستهلك، منوها بأنه من غير العدل تحميل الوكيل خطأ المصنع أو الشركة الرئيسة، وموضحا أن التشهير عن طريق «تويتر» يعد تشهيرا أيضا ولا يمكن اقتصار مصطلح التشهير على الصحف الورقية. وعن الضوابط التي يفترض على وزارة التجارة وضعها قبل اللجوء للتشهير، قال عضو اللجنة التجارية بغرفة جدة عمر السلمي أنه يفترض إعطاء فرصة للتاجر المراد التشهير به لتصحيح خطئه قبل اللجوء للتشهير، ولابد أيضا للسؤال حول الضوابط المقترحة التي يفترض أن تضعها الوزارة قبل اللجوء لهذا التشهير، مطالبا من الوزارة بضرورة أن يكون دورها إرشادي وتوجيهي قبل اتخاذها أي خطوة للعقوبة. ويقترح رجل الأعمال مصطفى تميرك بدائل لعقوبة التشهير الرادعة لكبار التجار قبل صغارهم، ومقترحاته مثل فرض الغرامات والإنذارات، ثم إيصالها لمرحلة التشهير لأن التشهير به قطع أرزاق وتأثير سلبي على السمعة، باستثناء القطاع الصحي وقطاع المطاعم الذي لا يستهان بهما أبدا. تعويض المستهلك أما رجل الأعمال عبدالسلام الفواز، فيرى كمستهلك أن أبرز النقاط التي تساهم في حفظ حقوق المستهلك هي تعويض أي مستهلك تضرر نتيجة عن أي خطأ ارتكبه التاجر، فالمستهلك المتضرر ماذا سيستفيد من التشهير بالتاجر.. مشددا على ضرورة أن يتم أخذ حق المستهلك من التاجر بعدة طرق، سواء بإلزامه بوضع تخفيضات خاصة بالمستهلك الذي ثبت ضرره، أو إلزام التاجر بتعويض أخطائه بعمل خصومات أو خدمات إضافية لفترة معينة بشكل إلزامي من قبل التجارة، وذلك تعويضا عن الخطأ الذي ارتكبه التاجر، لضمان أخذ حق المستهلك أيضا، موضحا أن التشهير قد يعود بالفائدة للمستهلك على المدى البعيد، ولكن المستهلك الذي تضرر نتيجة خطأ ما ارتكبه التاجر، فالمستهلك لن يستفيد شيئا من هذا التشهير. وبين الفواز أنه لابد أن تقوم وزارة التجارة والصناعة بدراسة ووضع قائمة واضحة للمستهلك للإبلاغ عن المخالفات التي يلاحظها، ما يحقق الفائدة القصوى له وللمستهلكين الآخرين، دون وضع ذلك الشيء بشكل مبهم.. مطالبا وزارة التجارة بالتركيز على تعويض المستهلك بقدر حرصها على حمايته، فالحماية أجدى بكثير من العقوبة. ولكن في ظل ازدياد المخالفات فلابد من تعويض المستهلكين، الأمر الذي قد يساهم بشكل كبير في ضمان حقوق المستهلكين. وأضاف الفواز أن هناك بديلا آخر يمكن للتجارة فرضه على التجار يعود بالنفع أيضا على المستفيد وذلك بالتكريم الدوري لأكثر الشركات «انضباطا» في حقوق المستهلكين، ووضع شروط ولوائح لآلية هذا التكريم، مع توضيح أسباب اختيار شركة ما لهذا المجال، مع مراعاة توزيع هذا التكريم على معظم القطاعات التجارية، سواء الإلكترونية أو الخدمية أو التسويقية وما شابهها. حماد: الضوابط النظامية للتشهير والإغلاق ما هي الحدود والضوابط التي وضعها النظام لإغلاق المحل التجاري والتشهير بالتاجر المخالف؟ يقول المستشار القانوني الدكتور عدلي حماد: إن في مكافحة ظاهرة الغش التجاري حماية ليست للمستهلك فقط بل للتاجر أيضا، ففي ذلك زجر للتجار الذين يستغلون حاجة الناس ويخدعونهم، ما يشجع المنافسة الشريفة والحرة، ولكن في مكافحة هذه الجريمة التجارية الخطيرة نأمل من وزارة التجارة والصناعة التوفيق بشكل عادل بين الحقوق النظامية والشرعية للمستهلك والتاجر. وهناك بعض الملاحظات حول الإجراءات التي نص عليها نظام مكافحة الغش التجاري واللوائح ذات العلاقة بشأن إغلاق المحل والتشهير، ونشر ملخص الحكم النهائي على النحو التالي: أولا: في إغلاق المحل المشتبه به: لقد نص النظام على الإجراءات التي يجب على مأموري الضبط القضائي اتخاذها واتباعها في ضبط مخالفات أحكام النظام، ومنها دخول وتفتيش المنشآت وما يلحق بها من مستودعات وأماكن تخزين. وأعطى النظام ولائحته التنفيذية لمأموري الضبط القضائي الحق في إغلاق المكان المشتبه به وذلك في حالة منعهم من الدخول والتفتيش فقط وحتى تمكينهم من الدخول والتحقق من وجود مخالفة، وهذا ما ورد نصه في المادة التاسعة من النظام والتي نصت على الآتي: «يحظر منع مأموري الضبط القضائي من تأدية أعمال وظائفهم في التفتيش والضبط، ودخول المصانع أو المخازن أو المتاجر أو غيرها من المحلات، أو الحصول على عينات من المنتجات المشتبه بها، وعلى مأموري الضبط القضائي تقديم ما يثبت أنهم من مأموري الضبط، ويحق لهم إغلاق المحل لحين مراجعة التاجر صاحب المحل وتمكينهم من الدخول»، وأيضا ما جاء نصه في الفقرة (2) من المادة السابعة من اللائحة التنفيذية والتي جاء فيها «لمأموري الضبط القضائي في سبيل تأدية عملهم القيام بما يلي: دخول وتفتيش المنشآت الموجودة فيها المنتجات الخاضعة لأحكام النظام ولائحته التنفيذية وما يلحق بهذه المنشآت من مستودعات وأماكن تخزين أو وسائل نقل وغيرها ولهم طلب فتح المغلق منها وقت وقوع المخالفة أو أثناء الدوام الفعلي للمنشأة، ويحق لهم عند منعهم إغلاق المكان المشتبه به لحين تمكينهم من الدخول والتحقق من وجود مخالفة». وبناء عليه فإنه لا يجوز حسب نظام مكافحة الغش التجاري إغلاق المحل في غير حالة منع مأموري الضبط القضائي من تأدية أعمال وظائفهم في التفتيش والضبط، ويكون الإغلاق حتى تمكينهم من الدخول والقيام بعملهم. لقد ورد إغلاق المحل المخالف في النظام كعقوبة يختص بالنظر فيها ديوان المظالم، فيجوز لديوان المظالم الحكم بإغلاق المحل المخالف مدة لا تتجاوز سنة في المخالفات المنصوص عليها في المادة الثانية من النظام وذلك بعد ثبوت الإدانة. فلا يوجد في النظام أو لائحته التنفيذية نص يعطي الحق لمأموري الضبط القضائي بإغلاق المحل المشتبه به كإجراء تحفظي أو احترازي، حيث أعطى النظام لمأموري الضبط القضائي، بدلا من ذلك الحق في سحب العينات وتحليلها وحظر على التاجر التصرف في المنتج المشتبه به قبل ظهور نتيجة الفحص، وأعطى للوزير أيضا في حالة الضرورة أو الاستعجال حق إصدار أمر بالحجز التحفظي على منتج وسحبه من الأسواق عند الاشتباه في غشه، بشرط عرض الأمر على ديوان المظالم خلال 72 ساعة لتأكيد الحجز أو إلغائه. وفي كل هذه الإجراءات ضمان لعدم وصول المنتج المغشوش ليد المستهلك حفظا لماله وحياته من جهة وضمان لحقوق التاجر المتهم وعدم الإضرار به حتى صدور الحكم من ديوان المظالم من جهة أخرى، وذلك تماشيا مع القاعدة القانونية والقضائية «المتهم بريء حتى تثبت إدانته». وحسب قرار مجلس الوزراء رقم (174) وتاريخ 27/5/1434ه، في شأن إعطاء وزارة التجارة والصناعة صلاحيات تمارسها الأمانات والبلديات في إصدار العقوبات الفورية ضمن لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية والتعليمات التنفيذية لهذا القرار، فإنه يحق لوزارة التجارة والصناعة إيقاع غرامات مالية فورية عن بعض المخالفات، ويجوز لها إغلاق المحل لمدة لا تتجاوز أسبوعا في حالة التكرار فقط، وبعد أخذ موافقة مدير عام المنطقة وذلك في المخالفات التالية: الامتناع عن البيع أو الامتناع عن إعطاء فاتورة وزيادة الأسعار المقررة أو عدم وضع تسعيرة على البضاعة المعروضة. ولعله من المناسب الأخذ بعين الاعتبار أن جزاء إغلاق المحل بسبب التكرار ورد على سبيل التخيير غير الملزم وذلك باستعمال عبارة «يجوز» حتى يتسنى للوزارة إيقاع الجزاء الملائم، بحيث ينسجم الجزاء مع حجم المخالفة أو مدى الضرر الناتج عنها، بالإضافة إلى مدى تكرارها، حسب ما ورد في الأحكام العامة من هذه اللائحة والتعليمات التنفيذية لقرار مجلس الوزراء. ثانيا: في التشهير بالمشتبه بهم ونشر الأحكام: لقد دأبت وزارة التجارة والصناعة وخصوصا في الآونة الأخيرة على النشر في موقعها الإلكتروني وبعض مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر) أخبارا تتضمن إغلاق بعض المحلات أو ضبط بعض المخالفات مع ذكر أسماء هذه المحلات في بعض الأحيان أو نشر صور يمكن الاستدلال من خلالها على اسم المحل أو صاحبه، ولا شك أن في هذا تشهيرا بالتاجر ومخالفة لنظام مكافحة الغش التجاري ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتيه وإضرار بسمعة التاجر المتهم المعنوية والتجارية وحكم على التاجر بالإدانة قبل استكمال التحقيق من قبل هيئة التحقيق والإدعاء العام وصدور الحكم النهائي من ديوان المظالم. لقد نص النظام على الإجراءات الواجب اتباعها في الضبط والتحقيق والنظر والفصل في مخالفات أحكام نظام مكافحة الغش التجاري بشكل واضح ومحدد، فيجب على مأموري الضبط القضائي التفتيش وضبط المخالفة وتحرير محضر بالإجراءات المتخذه ومن ثم إحالة ملف القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق بالمخالفة واتخاذ الإجراء اللازم إما بحفظ الدعوى في حالة عدم كفاية الأدلة أو رفع الدعوى إلى ديوان المظالم حسب ما ورد تفصيله في نظام الإجراءات الجزائية.