لم يكن الشاعر علي بن الجهم يظن أنه يهجو الخليفة عندما قال (أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب) وكان الخليفة أحكم من بطانته عندما وجههم أن يسكنوه قصرا مشيدا بين الرصافة والجسر بالقرب من دجلة الخير وفرات الجواهري ومسرح ومراح الغزلان ليعود بعد أشهر ويلقي بين يدي الخليفة أعذب الشعر وأصدقه من خلال رائعته (عيون المها بين الرصافة والجسر، جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري). وكان من عادة القرويين أن يتعاصبوا بالثيران أو الحمير، أي يشترك من لديه ثور مع جار أو صديق من قريته أو من خارجها يملك ثورا أيضا ليحرثا أو يديسا أو يسقيا بالثورين أو الحمارين، ومن المناظر المألوفة أن ترى أحد المتعاصبين صاعدا من جبال وهابطا أودية وعلى كتفه المصلبة وبعض الشداد والبقية على ظهر البهيمة متجها نحو قرية معاصبه. والمصلبة أداة خشبية منحوتة من شجر العتم توضع على رقبة السانية لتوحد حركتهما وتناغمهما عند بدء مواسم الخير والبركة، ويترتب على التعاصب علاقة نفعية تجلب مودة وتبادل زيارات لتفقد الثيران وحمل العلفة لها عند الحاجة، وعندما رأى أحد الساخرين ثورين يتعاركان قال «أكيد تراحموا البارحة» كناية عن تحول علاقة بعض القرابات ممن لا يخافون الله إلى عداء وخصومة بعد الزواج من بعضهم، وكان لدى أحد القرويين الصداقين ثور مخصصا لضرب البقر وطلب عمدة القرية الثور ليعلو بقرته وكان العمدة معلولا فخرج فوق الجناح مكتسيا جبته الصوف ليتابع الحدث ويطمئن وعندما وضع يده في جيبه لدفع الأجرة للثوار الضراب امتنع ربه عن قبولها وأقسم أنها (عسية للعمدة). ومن شدة فرح بعض الشعراء في منطقتنا بزيارة أحد الأعيان لم يجد صورة أبلغ في التعبير عن فرحته من استعارته للبيئة خصوصا منظر المصلبة المحكم فوق رقاب الثيران فقال (مرحبا يا سيدي عند ربعك، أنحن الثيران وأنت المصلبة).. وسلامتكم.