نشر ملحق الأربعاء الصادر عن جريدة المدينة بتاريخ 30 نوفمبر 2011 بحثًا مختصرًا بعنوان (المكان في ذاكرة الإبداع بيدر الأقلام وذاكرة الكتابة)، وقد شارك في ذلك المبحث عديد من الأدباء وكان من بينهم الأخ/ إبراهيم مفتاح الذي أكد أن الإنسان ابن بيئته فقال: «وكما فعل امرؤ القيس فعل الحسن على بن الجهم عندما جاءوا به من البادية ولم يكن يعرف من عناصر المكان الذي عاش فيه سوى ما مدح به الخليفة قائلًا: أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب ليثير بذلك غضب المحيطين بالخليفة.. ولكن الخليفة كان أعمق إدراكًا ومعرفة بتأثيرات المكان في عاصمة الخلافة بغداد بحدائقها وأنهارها وقصورها الشاهقة وجواريها الحسان ليقف أمام الخليفة بعد عام منشدًا: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدرى ولا أدرى» وتلك حكاية سمعناها وقرأناها وفتنا بها مذ كنا على مقاعد الدرس... وقد وظفها الشاعر إبراهيم مفتاح توظيفًا جيدًا للتدليل على أن المكان في ذاكرة الإبداع.... الخ) علما بأن البيت المتضمن مديح الخليفة بالكلب والتيس منحول أو منسوب لعلي بن الجهم، وبمنأى عما نشره الأستاذ/ إبراهيم مفتاح حول حكاية (عيون المها) التي كان بطلها الشاعر علي بن الجهم... فإنني أود التأكيد على أن هذه الحكاية أو الأكذوبة الأدبية أو الأسطورة الأدبية كانت ولا زالت محتفظة بالإثارة الساحرة التي فتنت الكثير من الأدباء والنقاد والشعراء.. ولا أستثني نفسي حتى بعد أن تأكدت من عدم صحتها.. وهذه حكاية أخرى اختتم بها هذا المبحث متمنيًا أن يشاركني القارئ الإحاطة بالحقائق التالية التي تقوض أركان تلك الأسطورة ولنبدأ بالشاعر أبو الحسن على بن الجهم واختصر سيرته بالقول أنه حجازي الأصل بغدادي المولد عراقي الموطن، فارسي الهوى، فقد قال في واحدة من قصائده: مذهبي واضح واصلي خراسا ن وعزي بعزكم موصول فالشاعر من مواليد بغداد سنة 188ه وتعلم في مدارسها وأخذ عن أدبائها وشعرائها أي أنه لم يحضر للبلاط العباسي من بادية الحجاز أو من أي بادية أخرى كما تقول الأكذوبة أقصد الأسطورة وهذه الحقيقة تدحض المشهد الأول من الأسطورة، أما حكاية (عيون المها بين الرصافة) فتلك قصيدة مشهورة بمطلعها الغزلي مدح بها بن الجهم الخليفة المتوكل فقال: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدرى ولا أدري أعدن لي الشوق القديم ولم أكن سلوت ولكن زدت جمرًا على جمر ومنها قوله: ولكن إحسان الخليفة جعفر دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر وهذه الحقيقة تدحض المشهد الثاني من أسطورة (عيون المها) التي تقول أنه بعد عام جاء إلى الخليفة وقال قصيدة (عيون المها) متأثرًا بمعايشته لسحر المكان وعناصر الجمال في عاصمة الخلافة العباسية بغداد. ومثلما فتنتنى وغيري حكاية أو أسطورة (عيون المها) قديمًا فتنتنى حديثا قصة حسناء عراقية أطلق عليها والدها اسم (نيران) درءًا لحسد الحاسدين وهو اسم يناقض تمامًا جمالها الأسطوري وعينيها الحالمتين الفاتنتين ووجهها الذي يقطر وداعة وبشاشة بابتسامة ملائكية.. ومقاييس جمال أخرى تحلم بمثلها ملكات الجمال. إلى ذلك فقد سبّب لها ذلك الاسم (الفظ) إحباطًا نفسيًا مستديمًا فتأثرت بمعاناتها النفسية اليومية وكتبت قصيدة أسميتها (عيون المها الجديدة). تمنيت في سياقها لو أن والدها أنصف فسماها (طروبًا) أو (يمامًا) بدلًا عن اسم نيران؛ فقلت في المقطع الأوسط من القصيدة: فلو دعاك طروبا أو لو دعيت ملاكي يمامة ذات حسن عبر الأثير أراك هديلها يحتويني إثارة من حرير بسحر بابل يسري عذوبة في الأثير بنشره دون إذن أقصوصة عن أمير وعن مهاة تحلت بالسحر عند المسير وعن عيون وجسر وعن غرام أثير له الرصافة مهد وموطن للعبير أتوجه بالشكر في الختام لشاعرنا الجميل إبراهيم مفتاح الذي استفزني إيجابًا بما كتبه فكتبت هذا المبحث بإيحاء مما نشره.