منذ القدم كانت البدانة من أبرز الفوارق الشكلية التي تفرق بين الفقراء والأغنياء، فالأغنياء الذين كان يمكنهم شراء ما يتمنونه من طعام وبكميات كبيرة كانت أجسامهم تميل للبدانة، ولهذا كانت البدانة من معايير الجمال للنساء ولهذا تبدو النساء بدينات في لوحات الرسامين الغربيين التي تعود للعصور الوسطى، وبالطبع الفقراء الذين لا يملكون ما يكفي من المال لشراء الطعام كانت أجسامهم نحيلة، ولهذا العائلات من الطبقة الوسطى كانت تجبر بناتها على أن يصبحن بدينات لكي يمكن تزويجهن لرجال من الطبقة العليا وهذا التقليد لازال سائدا في موريتانيا مثلا رغم أن الدولة هناك أصدرت قانونا بمنعه باعتباره من الإساءة الجسدية تجاه الإناث لكنه لايزال مستمرا.. لكن فيما عدا هذه الحالة الاستثنائية فهناك انقلاب مثير للدهشة في أحوال البدانة والرشاقة في العصر الحديث في كل أنحاء العالم، حيث دلت الدراسات المعاصرة على أنه كلما انخفض دخل الأفراد كلما مالوا للبدانة وكلما ارتفع مستوى دخلهم مالت أجسامهم للرشاقة، وهناك عدة أسباب موضوعية ونفسية وراء هذا الانقلاب في المعايير؛ فمن أغرب المفارقات أن الاطعمة المصنعة التي توفر القدر الاكبر من السعرات الحرارية هي أرخص من الأطعمة الطبيعية كالخضار والفواكه، كما أن العائلات الأعلى دخلا تتوفر لهم مصادر تثقيف وتوعية صحية لا تتوفر للعائلات الفقيرة كالمواضيع التي تنتشر بالمجلات وكتب التغذية الصحية وما شابه، كما أن أصحاب الدخل المرتفع يمكنهم الالتحاق بالنوادي الرياضية وشراء الأجهزة الرياضية المنزلية، وبالطبع هذه أمور محروم منها أصحاب الدخل المتواضع خاصة أن المدارس الحكومية لا تقدم تثقيفا كافيا للطلاب حول الغذاء الصحي بل وتبيع لمقاصفها غالبا أغذية غير صحية للطلاب، والأغذية المدعومة حكوميا كالخبز هي عادة الأغذية التي تساهم في زيادة الوزن والأغذية الصحية كالخضروات غير مدعومة حكوميا، أما عن الأسباب النفسية المعقدة لإفراط الفقراء في الاكل؛ فأبرزها الخوف من الحرمان، فالذي لا يعلم إن كان سيتوفر له غذاء كاف في الغد أم لا سيميل لالتهام أكبر قدر يتوفر له من الطعام خاصة في المناسبات والولائم لأنه يعلم أنه لن يحصل على مثله لفترة طويلة حتى وليمة أخرى يدعى إليها، بينما الاثرياء ليس لديهم هذا الدافع للإفراط بالأكل في المناسبات. وزيادة الوزن تؤدي للإصابة بالأمراض المزمنة كالسكري والتي تؤدي للمزيد من الإفقار للفقراء حيث تجعلهم عاجزين عن العمل مع صعوبة بالحصول على العلاج.. [email protected]