خمس دقائق فقط ويرفع أذان المغرب، وها هي مائدة الطعام قد ارتدت حلتها كعروس فاتنة في ليلتها الموعودة، فتلونت المشروبات والحلويات بألوان الطيف الزاهية، في كرنفالٍ سنوي تتفنن فيه ربات البيوت بعرض مواهبهن في فنون الطبخ والتقديم، وتستمر الاحتفالات ثلاثين يوما هي أيام الشهر الفضيل، الذي فرض الله صيامه على المسلمين ليحس غنيهم بقرصة الجوع التي لا تفارق الفقير. أنفق المتسوقون في السعودية استعدادا لشهر رمضان الماضي 1435ه أكثر من خمسة وعشرين مليار ريال عدا ونقدا (نعم مليار، لم تخطىء)، أي بمعدل أربعة آلاف ريال لكل أسرة، وكما نشرت صحيفة اليوم تصدرت المنطقة الشرقية قائمة هذه المصروفات، سواء بالشراء من المراكز التجارية أو من ربات البيوت اللاتي يبعن المقليات الجاهزة. البذخ الرمضاني يتجاوز حدود سفرة الطعام وألوانها المتباينة ليظهر جليا على شاشات التلفزيون في مئة وتسعة مسلسلات، بلغت أجور بعض أبطالها أكثر من ثلاثين مليون جنيه مصري، وعلى شكل مسابقات ذات إجابات أسهل كثيرا من الأسئلة نفسها، حتى البرامج الترفيهية والمقالب أصبحت ذات تكلفة عالية خاصة أن ضيوفها من نجوم الصف الأول، بعد أن كانوا من عامة الناس. الموضوع هنا ليس الإسراف نفسه، فنحن قد نراه في أي شهر من شهور العام، بل هو تغير تصور شهر رمضان في تفكيرنا (Paradigm)، فهل ما يطرق مخيلتك عند سماع اسم هذا الشهر هو الصيام والقيام أم المسلسلات التلفزيونية وأصناف الطعام؟ فالأول هو الحكمة من مشروعية صيام هذا الشهر الفضيل، أما الثاني فهو ما أرادت البرامج التلفزيونية غرسه في مخيلتنا وأعتقد أنها نجحت بتفوق. وبعد هذه المائدة العامرة دعونا نزور الفضل، ذلك البخيل الذي يطير فرحا بصيام ضيوفه، حتى قال أبو نواس في هجائه: رأيت الفضل مكتئبا يناغي الخبز والسمكا فأسبل دمعة لما رآني قادما وبكى فلما أن حلفت له بأني صائم ضحكا وتقبل الله منكم صيامكم وقيامكم