إذا كان هناك من يرى أن اتباع أي فتوى مهما كان مصدرها كفيل بغفران أخطائه وذنوبه من باب «خلي بينك وبين النار مطوع»، فإن هناك إدارات حكومية ترى أن تحميل المقاولين المنفذين لمشاريعها كفيل بإعفاء ما قد تتعرض له تلك المشاريع من تأخير وسوء تنفيذ وتعطيل لمصالح العباد والبلاد، عملا بمبدأ «خلي بينك وبين المحاسبة مقاول»، وإذا كنا قد تعودنا على أن تتنصل مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية من مسؤوليتها عما يعرض لمشاريعها من تعطيل وسوء تنفيذ، وتلقي بالمسؤولية كاملة على عاتق المقاولين، فهم وحدهم المسؤولون عن كافة الأخطاء من تعطيل وتأخير وسوء تنفيذ، والمسؤولون في تلك الإدارات بريئون من كل ذلك، وكأنهم ليسوا هم المسؤولين عن اختيار المقاولين والتعاقد معهم والأشراف على خطوات إنشائهم لتلك المشاريع والمراقبة الدقيقة على أدائهم ومطابقة ما ينجزونه مع ما هو محدد في التعاقد معهم، من حيث الجدول الزمني، ومن حيث مواد الإنشاء. أحدث أساليب التنصل من المسؤولية وتحميل المقاولين ذنب الأخطاء والوعد بمحاسبتهم ما عمدت إليه إدارة الشؤون الصحية في منطقة القنفدة، وذلك حين حملت مقاول صيانة المستشفى العام مسؤولية رمي الملفات القديمة التي تحمل أسماء وأمراض وأرقام هواتف مراجعيها في مرمى النفايات، مفرطة فيما هي مؤتمنة عليه من احترام خصوصيتهم والمحافظة على أسرارهم. حملت إدارة الشؤون الصحية المقاول ذلك الخطأ الذي يبلغ حد الجرم في حق أولئك المرضى، مؤكدة أن «ذلك المقاول لا يمثلها». تنصلت إدارة الشؤون الصحية من المسؤولية، وكأنما ليست هي من تعاقد مع ذلك المقاول، وليست هي المسؤولة عن مراقبة عمله، وكأنما ذلك المقاول تسلل ليلا إلى تلك الملفات أو كلفه المرضى أنفسهم برمي ملفاتهم. وتوهمت إدارة الشؤون الصحية أن ذلك يعفيها من المسؤولية دون أن يسأل المسؤولون فيها أنفسهم عما إذا كانت الأمانة تقتضي منهم منع وصول المقاول وعماله إلى تلك الملفات، فضلا عن رميها في مرمى النفايات. وإذا كانت إدارة الشؤون الصحية قد توعدت المقاول بالمحاسبة، فإن عليها وعلى المسؤولين فيها أن يدركوا أنهم هم الأولى بالمحاسبة على ما فرطوا فيه من أمانة المحافظة على تلك الملفات.