سينجز الوزير غير الطبيب للصحة إنجارا عظيما لو ركز على إجراء تعديلات جذرية، أو قل تصحيحات جذرية في النظم والإجراءات القائمة في ميادين عمل الرعاية الصحية، وأهمها المستشفيات ونظام التعامل الإداري ولوائح الرواتب والبدلات والانتدابات. فريق العمل الصحي العصري لم يعد طبيبا فقط، بدليل أن العالم كله أصبح يستخدم مفهوم الرعاية الصحية، وليست الرعاية الطبية، وهذا المفهوم العصري المتطور يقر واقعا هاما جدا، وهو أن رعاية المريض صحيا تعتمد على فريق عمل كامل لا فرق فيه بين مختص وآخر!!، فكل في مجال تخصصه يشكل عاملا مهما لا غنى عنه مطلقا، ولا يمكن لأي واحد من فريق العمل أن يغني عن الآخر أو يقوم بعمل غيره، كما أن أي خطأ مهني من أحد أعضاء الفريق قد تؤدي إلى كارثة، وطالما أن الفريق في المسؤولية سواء، وفي عامل النجاح سواء، فإنهم يجب أن يعاملوا سواسية كمهنيين. لقد انتهى عصر قديم كان فيه الطبيب هو من يفحص ويشخص ويجري التحاليل يقترح الدواء ويعطيه للمريض بنفسه (حينما كنا نقول للطفل أوديك للدختور يضربك إبره). أصبح للفحص أجهزة دقيقة لها مختص فيها وقارئ لنتائجها هو بالتأكيد ليس طبيبا، وللأشعة التشخيصية مختص، وللمختبر مختص، وللتغذية مختص، وللأدوية صيدلاني متعمق في كل مجموعة دوائية يعرف طريقة عملها وجرعاتها وتعارضها مع الأدوية الأخرى والأعراض الأخرى، ولإعطاء الإبرة ممرض... وهكذا، بل أصبح في كل تخصص حامل لشهادة الدكتوراه (دكتور حقيقي بشهادة عليا). طبيعة العمل الحالية وأنظمتها القديمة ما زالت تفرض هيمنة الطبيب وانفراده بالمميزات، حتى العلمية منها؛ مثل الحصول على الانتدابات العلمية وحضور المؤتمرات وتطوير الذات، فتجد أن الأنظمة (التي صممها أطباء) تحدد (طبيب وغير طبيب)، والمفترض أن تحدد المهنة فقط وفئة العضو في الفريق (أخصائي مختبر، أخصائي أشعة، صيدلي، طبيب، ممرض، أخصائي علاج طبيعي، أخصائي تغذية... وهكذا دون أي تفرقة). المحاسبة على الأخطاء والتهاون والتسيب مختلفة، فالطبيب في حصانة من المحاسبة الإدارية سببت ما نحن فيه من حدوث الأخطاء الطبية!!، بسبب ترك الأطباء لعملهم في المستشفى الحكومي و(التزويغ) لعمل غير مشروع في الخاص!!، بينما لو خرج فني مختبر لزيارة مريض في نفس المستشفى حوسب على الدقيقة. سيكون إنجارا للوطن لو أعيد ترتيب وتصحيح أوراق حقبة من الصحة تم فيها ترتيب الأوراق بما يخدم مصالح ومستقبل واستثمار مهنة واحدة وعامل واحد في الفريق هو الطبيب.