بادي ذي بدء لابد أن أوضح أن الدافع والباعث لكتابة هذا المقال هو خلو بعض قرارات الهيئات الصحية الشرعية من تحميل إدارة المرفق الصحي بعضاً من المسئولية التي ينال الممارسين الصحيين منها الكثير بينما لو تم فحص أغلب الأخطاء المهنية لأتضح أن من الأسباب المباشرة أو غير المباشرة التي أدت إلى حدوث الخطأ هي من نظام المستشفى ( البرتوكول ) أو ( نقص في الأجهزة الطبية) أو(عدم كفاءة هذه الكوادر حين التعاقد معها ونقصها وهذه مسئولية إدارة المرفق ) أو الجهة المتعاقدة مع هذا الممارس الصحي وفي هذا المجال يثور التساؤل ما مدى مسئولية إدارة هذا المرفق عن خطا الممارس الصحي إذا كان الممارس يعمل في مرفق صحي حكومي أو خاص باعتباره موظفاً لدى هذا المرفق ويعمل تحت إدارته وتابعاً له ؟ من المعلوم أن المريض عندما يتعامل مع المستشفى فإنه يتعامل مع شخص معنوي وهو لا يتعامل مع الطبيب بصفته الشخصية ولكن بصفته الإعتبارية بإعتباره موظفاً لدى هذه الإدارة ولهذا فإن علاقة المريض والممارس الصحي في مستشفى عام هي علاقة لائحية بين المريض والمستشفى لأن حقوق وواجبات كل من الممارس الصحي والمريض تتحدد بمقتضى اللوائح المنظمة لنشاط هذه المستشفى ونتيجة لذلك لا يوجد عقد بين الممارس الصحي في المستشفى العام وبين المريض ، وبناءً على ذلك لا يمكن مساءلة الأول عن الضرر الذي يصيب االثاني بسبب خطأ الأول إلا على أساس المسئولية التقصيرية .وحيث أنه لا يوجد عقد بين الممارس الصحي في مستشفى عام وبين المريض فالمسئولية المترتبة على ذلك مسئولية غير تعاقدية (( تقصيرية )) ، ويترتب على مساءلة إدارة المستشفى العام عن أخطاء الممارس الصحي الذي يعمل بها باعتباره تابعاً لها توفر شروطً مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة استنادا لقاعدة (( مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة )) حيث أن الممارس الصحي يعتبر تابعاً للمستشفى الذي يعمل بها لأن استقلاله في عمله الفني لا يمنع من خضوعه لإدارة المستشفى ومراقبتها له في أدائه لواجباته العامة ، ولذا اعتبر تابعا لها وبالتالي تسأل إدارة المستشفى عن أخطائه كمتبوع لها بالنسبة للإضرار التي تقع أثناء تأديته لهذه الواجبات وبالتالي تكون المسئولية مشتركة بينه وبين إدارة المرفق الصحي العام ، وتقوم رابطة التبعية على وجود سلطة فعلية للمتبوع وهي ( إدارة المستشفى ) في الرقابة والتوجيه في العمل ومحاسبته فإذا قصر التابع (الممارس الصحي) تكون إدارة المستشفى مسئولة بالتضامن مع موظفيها حيث أن لها سلطة التوجيه والإشراف والرقابة والمحاسبة وهو ما قضت به بعض المحاكم في البلدان العربية القضايا المعروضة أمامها في جعل الإدارة الصحية الطبية ( المرفق الصحي ) مسئولة عن أعمال موظفيها بما فيهم الأطباء وبقية الممارسين الصحيين . ونلخص في هذا المقال إلى أن مسئولية المستشفيات الحكومية والأهلية مما يقع بسببها من ضرر لبعض المرضى من قبل موظفيها والعاملين بها تكون مسئولية تضامنية سببية ، والمستند الشرعي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) فإدارة المستشفى مسئولة عن حدوث خطأ أو تقصير صادر من تابعيها لتقصيرها في عملية الرقابة والإشراف والتوجيه والمتابعة والمحاسبة . فالمسئولية تقع على إدارة المستشفى عما يصدر من جميع أفرادها الذين يقومون بعلاج المرضى سواءً كانوا من الأطباء أو الصيادلة أو الممرضين أو غيرهم من الممارسين الصحيين ، والمسئولية المتعلقة بالمستشفى تعتبر من قبيل المسئولية السببية وذلك لأن إدارتها العامة لا تباشر فعل الأمر الموجب للمسئولية وإنما يباشره فرد من أفراد موظفي المستشفى كالأطباء والصيادلة والممرضين ونحوهم . والأجهزة الإدارية ملزمة بتنظيم المستشفى وإدارة أعماله على الوجه المطلوب وأي خلل ينشأ عن ضرر بالمريض يؤدي إلى مسئولية الفرد المباشر ومسئولية إدارة المستشفى جميعاً فإدارة المستشفى تعتبر مسئولية عن خلل هذا المستشفى وإدارته ، وهكذا تتوزع دوائر المسئولية حسب نسبة الخطأ الذي حصل من المباشر ( الطبيب أو الممرض أو الصيدلي أو فني المختبر ونحوهم ) وحسب التقصير في التجهيز والصيانة والتوجيه والإشراف والرقابة من إدارة المرفق الصحي. وحيث أن الطبيب يعتبر تابعاً للمستشفى الذي يعمل به وأن علاقة التبعية القائمة بين الطبيب والمستشفى ولو كانت علاقة تبعية أدبية فإنها تكفي لأنه يتحمل المستشفى بالتضامن عن خطأ الطبيب ((مسئولية تضامنية)) لأن علاقة التبعية تقوم كلما كان للمتبوع (إدارة المرفق الصحي) سلطة فعلية على التابع في الرقابة والمتابعة والإشراف و التوجيه والمحاسبة حتى لو كانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإدارية. لأن مناط علاقة التبعية أن يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة عمله وفي الرقابة عليه ومحاسبته ولأن ((المرفق الصحي)) يسأل عن أي خطأ يقع في تنظيم وحسن سير العامل بهذا المرفق وفي تقديم العناية والرعاية اللازمة للمرضى بصفة عامة بالإضافة إلى حسن سير أجهزة المستشفى ونظافة آلاته المستعملة والتزامه بتوفير العدد الكاف من المتخصصين ومن العاملين ومرآعاة نظافة وصحة الأغذية المقدمة للمرضى وكذلك مرآعاة حيازة الممارسين للشهادات والتخصص والكفاءة والخبرات المطلوبة في ذلك عند التعاقد معهم . والله أعلم وأحكم ... مدير الإدارة القانونية بصحة القصيم مستشار قانوني/علي بن محمد عبدالرحمن الجمعة للتواصل/ [email protected]