ذكرت «عكاظ» في 25/6/1436 أنه تمت الموافقة على إنشاء أكاديمية للفنون الجميلة في مدينة جدة بعد اجتماع لمستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل مع تشكيليين سعوديين فتم تخصيص أرض بمساحة 50 ألف متر واعتمدت ميزانية بقيمة 58 مليون ريال لإنشاء أكاديمية تجمع فناني الوطن وتبرز إبداعاتهم الجميلة. فالفن التشكيلي عبارة عن تفكير فطري ارتبط بالإنسان وخياله منذ القدم، معبرا عن ما يحيط به من إبداعات الخالق في أرضه وسمائه. فكان لابد من هذه الأكاديمية لتكون منظومة متكاملة يستطيع من خلالها الفنان التشكيلي السعودي أن يبرز فنه ويجسد بيئته الفنية بكل ما فيها من إبداعات، تقام عن طريقها المعارض الدولية وتحمي حقوق الفنان وتذود عن ملكيته فلا تسرق حقوقه ولا يضيع فنه، ونشارك الآخرين فنونهم متبادلين معهم الخبرات وآخر المستجدات. وقد أكد سموه أن الفن خصوصا التشكيلي مهم في حياة الشعوب وثقافة يجب الاعتناء بها وإبرازها وأنها تعكس الصورة الحضارية للمملكة ونقلها إلى الخارج. وفي نفس الوقت تزخر المملكة بشتى أنواع الفنون التي عاشت على أرضها ومارست طقوسها وطورت نفسها وأصبحت أثرا خالدا حتما وإن طالته يد النسيان وعوامل الإهمال، ولكنه يظل يحمل عوامل حياته وخلايا تجديده. فاللغة كما يقول ميخائيل نعيمة إحدى الوسائل التي اهتدت إليها البشرية للإفصاح عن أفكارها وعواطفها وأن للأفكار والعواطف كيانا مستقلا فهي أولا واللغة ثانيا، وإن كل القواميس وكتب الصرف والنحو في العالم لم تحدث يوما ثورة ولا أوجدت يوما أمة... لكن الفكر والعاطفة يجددان العالم كل يوم... فالفن هو روح وفكر وعاطفة يسمو بالإنسان. ويخلق فيه روح الإبداع والتجديد. وقد نشأت على أرضنا في المدينةومكة والطائف وخيبر ووادي القرى ودومة الجندل واليمامة فنون مختلفة ميزت كل منطقة بفنها وتراثها موظفة جمال الحياة بدءا من حياة الرعي ومهنة الصيد وركوب البحر ومهنة التجارة وسير القوافل وموسم الحصاد والفرح والأحزان والأعياد وأهازيج العادات والتقاليد مثل الرحماني والجوجو والصرارة والصرافة وهي حفظ الطالب أحد أجزاء القرآن الكريم ورقصة الدحة وغيرها كفن يحمل تاريخ الآباء والأجداد ويعتبر من الموروثات التي تحكي عن فترة من تاريخنا تعتبر ممارسات يومية ظلت تصارع الانقراض إيمانا منها بجدوى البقاء معبرة عن التميز في استخلاص مكامن الجمال. في أغلب الدول تقوم معاهد متخصصة للمحافظة على تراثه وتجديده وإعادة صياغته بحيث لا يفقد معناه ولا يضيع جوهره، فمعهد الموسيقى العربية في القاهرة مثلا مكان للمحافظة على التراث القديم بألحانه وأدائه وإعادة إحيائه. معيدا توزيع موسيقاه مستخدما الآلات والتقنيات الحديثة، فحفظ للأجيال ألحان خالدة لازلنا نعيش أجوائها ونستنشق عبير ماضيها. الفن بألوانه جزء من تاريخ كل أمة وكل تاريخ يعتبر جزءا يربط حاضر الأمة بماضيها. ولا تستطيع أمة من الأمم أن تتخلى عن تراثها فهو مفخرتها تحافظ عليه وترعاه ولدينا ألوان وأشكال من التراث القديم لا يعرف عنه هذا الجيل شيئا فن قائم مستقل بذاته له طابعه وخصائصه وجماله وطعمه نابع من حياتنا وبيئتنا ومجتمعنا يحكي المعاناة ويجسد الألم ويشرح الحب ويعالج الشوق بكل المعاني الإنسانية والعواطف الوجدانية بعيدا عن الإسفاف والابتذال نسيه الجيل الحالي ولا بد أن يتعرف على هذا الماضي بكلماته وألحانه وطريقة أدائه وفنونه وصوره وأشكاله بكافة تفاصيلها وأحداثها. وهنا تبرز الحاجة تكامليا إلى إنشاء أكاديمية للتراث الموسيقي والغنائي والشعبي بألوانه من هجيني وسامري ودوسري وناجوز ومجرور ودانة وصهبة وفلكلور ومنولوج ومزمار ومواويل وعرضة وفنون شعبية برقصاتها ولوحاتها وأهازيجها وطقاطيقها لكل منطقة من وطننا الحبيب. فالتراث ملك مشاع مثل الآثار في المتاحف يستمتع بها الآخرون. نملك صورا جميلة لفنون عايشناها ذهب أصحابها إلى رحمة ربهم، وضعنا في زحمة الصراخ وانحطاط الكلمات وتعثر الألحان وأغاني الرقص والعري. أكاديمية تحفظ لفنانينا طلال مداح وعمر كدرس وطارق عبد الحكيم وغازي علي وعبد الله محمد وسعد إبراهيم ومحمود حلواني ومحمد علي سندي وفوزي محسون وفتحية حسن وسوني أحمد.. وغيرهم.. ألحانهم الجميلة في الزمن الجميل. ندخل عليها التحسينات الموسيقية والتوزيع الجديد للألحان والصوتيات والمؤثرات لتحافظ على البقاء وتتماشى وروح العصر. اختفت أشياء جميلة كان لها دور في إثراء ساحة الفن. وماتت قرائح كانت تجود بأحلى الكلمات أمثال: «إبراهيم خفاجي وناصر بن جريد وصالح جلال وخالد زارع وثريا قابل». إضافة إلى فن غاب عنا وهو فن المنولوج وهو من الفنون التعبيرية التي تعالج المشكلات الاجتماعية في قالب تصويري ضاحك والذي كان من أبطاله عباس أبو شنب وسعيد بصيري ولطفي زيني وعبد العزيز الهزاع.. وغيرهم. لوحات جميلة وصور رائعة طواها الإهمال وخيم عليها تراب النسيان. بلادنا منبع الفن فيها نشأ وترعرع ومنها خرج إلى الدنيا زرياب وجميلة وطويس وابن سريج وغيرهم من الشعراء والمغنين. فلابد من إنشاء أكاديمية ترعى فنوننا الشعبية وتحيي الموات منها وتدعم أصحاب المواهب والقدرات.. ليحفظوا لنا تراثنا الجميل. ونشارك بفنوننا حول العالم ونحيي ليالي وأياما تراثية ترسم بإبداع صورة هذا الوطن الذي ولد من رحم المعاناة. الفيصل صاحب رؤية فكرية وإنسانية له إبداعات بالكلمة والريشة يعرف قيمة التراث وضرورة المحافظة عليه بأنواعه فهي قيمة عظيمة في الحياة الإنسانية سماعا وأداء ومشاهدة وله فوائده النفسية والروحية معبرا عن مكنونها بكل تجلياتها تسمو بها إلى الرقي والكمال.. فلتكن أكاديمية شاملة لفنوننا بأنواعها تحت رعاية الفيصل.