هناك ظاهرة مشتركة للرعاية الصحية في أكثر الدول العربية، ألا وهي عدم الاستفادة المثلى من الإمكانات البشرية والمادية المتوفرة فيها لتقديم رعاية صحية متكاملة تعنى بالوقاية من الأمراض كما تعنى بعلاج الأمراض بعد حدوثها. تشير الإحصاءات إلى أن البلاد العربية تعاني من معدلات عالية لمشكلات صحية مثل أمراض السكري، وفيروس الكبد، والأمراض الطفيلية كالبلهارسيا والملاريا والانكلستوما، ويعاني أطفالنا من نقص فيتامين د. (بالرغم من الشمس المشرقة) وتسوس الأسنان (بالرغم من تعاليم ديننا التي تحث على نظافة الفم والأسنان). كما أن الوفيات من حوادث السيارات أكثر بكثير من مثيلاتها في الدول الصناعية. مشكلات صحية كان بالإمكان الوقاية منها قبل حدوثها، أو الوقاية من مضاعفاتها بالاكتشاف المبكر لها. ناهيك عن أن الوقاية من المرض أقل تكلفة من علاجه بعد أن يداهم الإنسان. إذا ما نظرنا إلى هذه الظاهرة المشتركة بين البلاد العربية (عدم إعطاء الوقاية من المرض حقها من الاهتمام)، نجدها ترجع إلى مجموعة من العوامل، يأتي على رأسها أسباب ثلاثة (تخطيطية، وتنفيذية، وفنية)، لو أننا تمكنا من التغلب عليها لأدى ذلك إلى تقدم ملحوظ فى مستوى الرعاية الصحية. نعاني في بلادنا العربية من غياب التخطيط الصحي الهادف. وأعني بذلك التخطيط المرتبط بأهداف محددة، قابلة للقياس، وبجداول زمنية مقننة. أي نعم توجد لدينا أهداف صحية ولكنها في مجملها غير قابلة للقياس. السبب الثاني تنفيذي: وأعني به مركزية القرار. فكثير من الأمور التي يمكن البت فيها على المستوى المحلي (مستوى المستشفى والمركز الصحي) نجدها ترفع إلى مستويات أعلى، مما يؤدي إلى هدر في المال، والجهد، والطاقة. أما السبب الثالث فهو عدم إعطاء الرعاية الصحية الأساسية حقها من الاهتمام (وأفضل شخصيا هذا المسمى على المسمى المتعارف عليه: الرعاية الصحية الأولية). يوجد في البلاد العربية عشرات الألوف من المراكز الصحية، جميعها إلا ما ندر تكتفي بتقديم العلاج لمراجعها من المرضى ولا تعطي اهتماما كافيا للرفع من مستوى الصحة في المجتمع. ليس ذلك فحسب ولكنها أيضا لا تعمل بمشاركة فعالة مع أفراد المجتمع. الرعاية الصحية الأساسية لا تحتاج إلى أسرة أو أجهزة ومعدات، بقدر ما تحتاج إلى قوى بشرية مدربة، ومشاركة أفراد المجتمع في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقديم..