كشف مختصون أن المملكة لديها القدرة على التعامل مع السوق النفطية، وفق ضوابط واستراتيجيات تضمن عدم إحداث أي اضطراب في السوق يسهم في زعزعة أسعاره نحو الصعود أو الهبوط. وقالوا إن اللقاءين اللذين أجراهما وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي أمس في مكتبه بالرياض مع سفير جمهورية روسيا أوليغ أوزيروف، وسفير سلطنة بروناي دار السلام، داتو فادوك حاج عبدالمعطي محمد داوود، كل على حدة، جاءا في ذات الشأن، للتنسيق مع روسيا وسلطنة بروناي دار السلام وكلاهما منتج للنفط من خارج أوبك، حيث تناول اللقاءان التطورات الأخيرة في السوق البترولية الدولية، وتبادل وجهات النظر في هذا الشأن، كما تطرق الاجتماعان اللذان حضرهما مستشار وزير البترول والثروة المعدنية الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز المهنا، إلى سبل تطوير التعاون البترولي بين المملكة وبلديهما. وأشار المختصون إلى أن الكثيرين اكتشفوا خلال الفترة الماضية أن منهجية منظمة «أوبك» قد تغيرت عما كان عليه الحال قبل نحو 40 عاما. يأتي هذا في الوقت الذي توضح حركة السعر المسجلة خلال شهر أبريل الجاري؛ بأن المؤشرات تدعم عودة النفط إلى المستويات السعرية التي فقدها منذ نحو شهرين ليستعيد معظم خسائره. وحول وضع «أوبك» من السوق في وقتها الحالي، أكد الخبير النفطي الدكتور سيد الخولي على أن منظمة «أوبك» بصفة عامة، والمملكة على وجه الخصوص كانوا خلال حقبة السبعينيات القوة الأكثر تأثيرا في أسواق النفط في العالم، مضيفا: من الحقائق التي يجب أن يعرفها الجميع هو أن «أوبك» كانت في السابق تتخذ قرارات بدافع سياسي أو تقود إلى نتائج سياسية في أوقات أخرى، لهذا يعتقد البعض أن الظروف لم تتغير فيفترض نفس الافتراضات القديمة، الأمر الذي يجعل تلك النظريات مجانبة للصواب لأن الواقع الحالي تغير كثيرا عن الحقب الماضية. ومضى يقول: الواقع اليوم مغاير تماما، ويتطلب سياسات وأدوات مختلفة، فمنظمة «أوبك» لم تعد تتحكم في غالبية حصة سوق النفط، كما أن دور النفط أصبح يختلف عن المفهوم الشامل لسوق الطاقة. أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور الخولي أفاد أن الجميع بات يدرك أوضاع سوق النفط المتأثرة بكميات العرض التي تفوق معدلات الطلب. وقال: إن ذلك ساهم في انخفاض سعر النفط مع وجود عوامل مؤثرة أخرى أبرزها تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وصعود قيمة عملة الدولار الأمريكي، الأمر الذي يجعل قيمة النفط أعلى سعرا فأسفر عن ذلك انخفاض الطلب على النفط. وأضاف: عندما تم إغفال هذه الحقائق؛ توقع البعض أن تتدخل «أوبك» لتحقيق الاستقرار في الأسعار من خلال خفض إنتاجها، وأن تعيد المملكة تجارب وسلوك الماضي من خلال تضحيتها بجزء من حصتها، إلا أن هذا الوهم الناجم عن عدم المعرفة أو التغافل دفع بعضهم إلى التلميح أو التصريح بأن لدى «أوبك» أو المملكة أجندة سياسية أو أنها تخفي شيئا ما. وزاد بقوله: لو أن المنظمة خفضت إنتاجها النفطي فلن يرتفع سعر النفط بسبب الفائض الكبير من الدول غير الموجودة في المنظمة، ما يجعلها عرضة لخسارة جزء من حصتها في السوق العالمي. إدراك حقائق السوق وشدد الدكتور الخولي، الذي يشغل منصب نائب المدير التنفيذي لمركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا، على أن القلة التي كانت تعتقد منذ شهور بأن تخفيض الإنتاج سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار قد أصبحوا الآن يدركون حقائق السوق، مستشهدا بتراجعهم عن آرائهم. وقال: تخفيض إنتاج «أوبك» لم يعد يجدي نفعا في الظروف الراهنة، إذ لابد من امتصاص الفائض الموجود في الأسواق قبل أن تؤثر قرارات التخفيض في الأسعار مع التركيز على أهمية تقصي ومحاولة معرفة معدلات الانخفاض، والمدة المطلوبة التي سيستغرقها المستهلكون لامتصاص الفائض النفطي من السوق. وتطرق في حديثه إلى ضرورة الإمعان في النتائج أكثر من التركيز على الأسباب، وقال إن انخفاض الأسعار الذي حدث ليس سيئا في شكله العام من وجهة نظر كل الأطراف، ولن يكون سلبيا أو إيجابيا طوال الوقت، بل يعتمد على الفترة التي يستمر فيها منخفضا قبل معاودة الارتفاع من جديد، لأن الأمر الأكثر أهمية يكمن في ما ستفعله الدول خلال فترة انتظار معاودة أسعار النفط للارتفاع، وهي فرصة للمملكة حتى تتمكن من تحفيز الجهود الإضافية لتنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة تساهم في تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل. وذكر أن صعود أسعار النفط سيعطي نوعا من التفاؤل لمستقبل دول «أوبك» ليكون ذلك خطوة دافعة إلى الالتزام وزيادة الجهود من أجل فتح قنوات أكثر للتعاون تساعدها على تحقيق أهدافها ودعم قدراتها على الصمود أمام المواقف الصعبة التي تؤول إلى استقرار السوق. وأشار إلى أن المملكة تصدر الكميات غير المخصصة للاستهلاك المحلي، مضيفا أن حجم الاعتماد على النفط في الاستهلاك على الصعيد الداخلي بات كبيرا، خاصة في ما يتعلق بتوليد الطاقة، والكهرباء، وتحلية المياه لذلك بات من المهم إيجاد آليات ترشد من حجم الاستهلاك عبر إدارة حكيمة تضمن استمرارية تدفق النفط على المدى الزمني البعيد. امتلاك الخيارات من جانبه أوضح عضو جمعية الاقتصاد السعودية الدكتور عبدالله المغلوث أن المملكة تمتلك الكثير من الخيارات التي تجعلها في غنى تام عن تحويل سلعة النفط إلى أداة سياسية؛ مؤكدا في الوقت ذاته على أن المملكة لها ثوابت واستراتيجية تبقيها في منأى دائم عن الخوض في حرب أسعار النفط، كما يشاع من بعض الدول المغرضة. وأفاد أن هذه الاستراتيجيات تحول دون إحداث تداخل بين النفط والسياسة، مضيفا أن المملكة قادرة على تجاوز الصعاب قياسا بحجم سياستها القوية، فهي تمتلك بعدا في النظر ولديها مرتكزات لا تتخطاها ناهيك عن قوة علاقاتها الدولية في ظل الحنكة الإدارية التي يتمتع بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، لتذليل أي صعاب أو مشكلة. واستشهد في حديثه على قدرات المملكة في الفصل بين السياسة والنفط بتلبية نداء دولة اليمن عندما طلبت الاستعانة بقوة لكبح الخارجين عن الإرادة الشرعية فلبت المملكة النداء نصرة للشعب اليمني الشقيق دون إحداث أي تداخل مع النفط، ويظهر ذلك جليا من خلال الهدوء النسبي الذي نراه في أسعار النفط، بالرغم من أن المملكة طرفا في مهمة استعادة السلطة الشرعية إلى اليمن الشقيق بعد انقلاب الميليشيات الحوثية على الشرعية هناك. وأفاد الدكتور المغلوث أن المملكة لديها قوة اقتصادية تتجاوز النفط، وتصل إلى قطاع البتروكيماويات والمشاريع الصناعية المرتبطة به، الأمر الذي ساعد في تكون سمعة مرموقة للمملكة في هذا المجال. تحرك صاعد للأسعار وعلى صعيد الأسعار، ارتفع سعر مزيج برنت والخام الأمريكي نتيجة توقعات بأن يسجل إنتاج النفط الصخري الأمريكي أول تراجع شهري له في أكثر من 4 سنوات، وسط تحذيرات بأن السوق مازالت متخمة بالمعروض، مع ارتفاع صادرات الصين النفطية التي وصلت إلى 750 ألف طن من النفط الخام، خلال شهر مارس الماضي مسجلة أعلى ارتفاع منذ نحو 9 سنوات تقريبا. وبحسب تقارير؛ فإن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع انخفاض الإنتاج الصخري 45 ألف برميل إلى 4.98 مليون برميل يوميا في شهر مايو المقبل مقارنة مع شهر أبريل الجاري. وتراوح سعر نفط خام تكساس خلال الشهر الجاري بين 46.99 دولار للبرميل كأدنى سعر مسجل حتى يوم أمس إلى 53.93 دولار للبرميل كأعلى سعر، وبالرغم من أن شهر أبريل الجاري قد انتصف؛ إلا أن السعر على الأداء الشهري يكشف عن اقتراب السعر من العودة إلى أعلى سعر تم تسجيله منذ نحو 60 يوما. أما على صعيد مزيج برنت، فإنه إذا واصل نمطه التصاعدي خلال الأسبوعين المقبلين، سيتمكن من العودة إلى المستويات التي فقدها منذ نحو شهرين، الأمر الذي يجعله مرشحا للدخول في مهمة صعود قد تكون طويلة نوعا ما للوصول إلى مستوى 74.81 دولار للبرميل وهو السعر الذي هبط عنه منذ أكثر من 3 أشهر. يشار إلى أن سعر مزيج برنت تراوح خلال الشهر الجاري بين 53.88 دولار للبرميل كأدنى سعر إلى 60.67 دولار للبرميل وقد يشهد المزيد من الصعود في ظل وجود عوامل تحفيزية له.