أكد اقتصاديون على أن المستثمرين في القطاع النفطي، خاصة المضاربين منهم قد استوعبوا إلى حد بعيد تداعيات العمليات المنفذة تحت مظلة (عاصفة الحزم)، وبدأوا يصلون إلى مرحلة الهدوء، مستشهدين بأن النسبة التي صعد بها سعر النفط لا تعد كبيرة قياسا بالحساسية التي قد تنجم من كون المملكة واحدة من أكبر الدول العالمية المنتجة للنفط طرفا رئيسيا في المعركة. جاء ذلك بعدما تراجعت أسعار النفط أكثر من دولار مع انحسار المخاوف من تعطل الإمدادات بسبب الضربات الجوية التي تقودها السعودية في اليمن. وحول هذه التطورات أكد الخبير الاقتصادي المستشار محمد الشميمري على أن نفط برنت صعد بعد الأحداث من 54.75 دولار للبرميل إلى 59.75 دولار للبرميل مشكلا زيادة بنسبة 8 في المئة، مشيرا إلى أن ذلك جاء كردة فعل نفسية على بداية الأحداث باعتبار أن العوامل الأساسية لا تزال ثابتة في ما يتعلق بالعرض والطلب واستمرار الإمدادات في وضعها الطبيعي. وعن ما تعنيه زيادة ال 8 في المئة قياسا بحجم المملكة في السوق النفطية، وأن ذلك قد يثير ردود فعل قوية لدى المضاربين، قال: يجب أن يدرك الجميع أن النفط شهد تذبذبا عاليا قبل بدء الأحداث، وهذا ما جعل عامل الحساسية مرتفعا لدى المضاربين الذين تأثروا بعد بدء الضربات الجوية التي استهدفت مواقع الحوثيين لذلك رأينا هذا الصعود لكنه ما لبث أن هدأ. ومضى يقول: التاريخ أثبت أن المملكة لديها تجربة واسعة في التعامل مع حالة النفط خلال الحروب التي مرت بالمنطقة في الثمانينات والتسعينات الميلادية من القرن الماضي وفي العقد الماضي من القرن الحالي، الأمر الذي يجعل الخبرة التراكمية لدى المملكة واسعة وكبيرة في هذا المجال كونها تعاملت مع مستجدات الأحداث بالطرق المناسبة التي أبقت على استقرار النفط في السوق العالمية، وبالتالي فإن هذه الحرب لن تؤثر على إنتاج المملكة النفطي. وأضاف الشميمري بقوله: هذا الارتفاع لم يأخذ شكل الاستمرارية بالرغم من مواصلة العمليات الجوية بل بدأ في حالة تراجع وصل خلالها أمس إلى مستويات 58.67 دولار للبرميل وتراجع نفط خام غرب تكساس إلى مستويات 50 دولارا بعد تسجيله ل 52 دولارا، الأمر الذي يدلل على أن الأسباب التي أسهمت في الارتفاع قد تم استيعابها من قبل المضاربين. وأشار إلى أن الكل يدرك قوة المملكة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وقال: في ميزان القوى تمتلك المملكة الإمكانات العسكرية البشرية والآلية التي تجعلها قادرة على حسم المعركة، وتحقيق الأهداف التي من أجلها جرى بدء هذه العمليات، لذا لا بد من إيضاح أن العوامل النفسية عادة ما تؤثر على التداول خاصة في الساعات الأولى التي تعقب الأحداث الكبيرة بعيدا عن الأساسيات. من جانبه، أوضح الخبير في مجال النفط الدكتور سيد الخولي أنه ليس من الحكمة محاولة التنبؤ باتجاهات أسعار النفط خلال الشهور المقبلة باعتبار أنه لا يوجد مقياس محدد لتحديد الاتجاه بشكل أكيد؛ وأشار إلى أن البعض يصر على استخدام سعر 60 دولارا كمقياس، مضيفا: إذا نزل المؤشر دون هذا السعر قالوا انخفضت الأسعار، وإذا تجاوزه صعودا قالوا ارتفعت الأسعار، لكن الغالبية أصبحت الآن تقر باستحالة العودة القريبة إلى مستويات ال100 دولار بعدما أصبح التنبؤ بذلك صعبا جدا إذا لم يكن مستحيلا. وتابع قائلا: الكل يعلم أن زيادة الطلب أو انخفاض المعروض سترفع السعر لكن ليس بالإمكان تحقيق ذلك من خلال التفرد أو تحفيز التكتل، وهذا ما يجعلنا نقف على أحد أسباب إصرار منظمة (أوبك) على عدم تخفيض إنتاجها كونها تسعى إلى إلقاء عبء التخفيض على المنتجين للنسبة الأكبر الموجودين خارج المنظمة مع عقد آمال في ارتفاع الطلب. وأشار إلى أن التغيير هو القاعدة في صناعة النفط، وقال: كل شيء في هذا القطاع متشابك، ومتقلب، وغير مستقر لأن مزيج الطلب على مصادر الطاقة يتغير على حساب نصيب النفط التقليدي ومعدلات النمو تتذبذب دائما فلماذا نتوقع استقرارا أو هدوء تغير الأسعار. وأضاف: أسعار النفط تخضع لعوامل متشابكة لا تقتصر على زيادة الإنتاج من خارج (أوبك)، أو تتعلق بحجم إنتاج النفط الصخري أو تتأثر لأسباب سياسية لأنها تمتد الى منظومة الطاقة والتقنيات الحديثة وانتقالها بالإضافة إلى الاعتبارات البيئية. وعن المدة الزمنية المتوقعة لإمكانية حدوث زيادة إضافية في الطلب على مصادر الطاقة الممكنة سواء الوقود الأحفوري أو المتجددة؛ قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور سيد الخولي: يظل الأمر الأهم هو في الكيفية التي يمكن أن تتصرف فيها الدول المستفيدة أو الخاسرة من انخفاض الأسعار؛ وإلى متى تتحمل العوامل الأخرى تضخم أو تقليل حجم التأثير. وأضاف: انخفاض الأسعار يصب في مصلحة كافة المستهلكين في العالم ما لم تفسد الدول المستوردة فرحتهم بفرض ضريبة إضافية على النفط ومشتقاته لتحقيق مكاسب في موازين مدفوعاتها مما يمنع تخفيض نفقات السلع والخدمات عن المستوى المتوقع الطبيعي باعتبار أن النفط كمدخل من مدخلات الإنتاج في أي عنصر تكلفة وبالتالي انخفاض الأسعار يعني انخفاض التكاليف. وأفاد بأنه من الناحية النظرية يتسبب انخفاض أسعار النفط في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وقال: انخفاض التضخم النقدي وما يتبعه من انخفاض في أسعار الفائدة، وارتفاع أسعار أسهم الشركات الصناعية غير النفطية، وانخفاض أسعار السلع الرأسمالية والاستهلاكية، وتقليص السياسات الحمائية للتجارة الخارجية، وانخفاض نسبة البطالة، وغير ذلك من متغيرات يظهر فيها النفط كعنصر تكلفة أكثر من كونه مصدر إيراد. ومضى يقول: في الطرف الآخر تمتد قائمة المتضررين من انخفاض الأسعار لتشمل العاملين والمستثمرين في مجال تجارة أو صناعة النفط أو الطاقة المتجددة أو العاملين في مجال رفع كفاءة الطاقة إلى جانب المتصدين لتغير المناخ بسبب الضعف الذي سيصيب الحوافز المشجعة على اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة أخطار الاحترار العالمي. الدكتور الخولي بين أن الدول المصدرة للنفط تدرك تأثير انخفاض أسعار النفط على تراجع العوائد النفطية وبالتالي انخفاض الإنفاق الحكومي في معظم الدول المصدرة للنفط، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث تباطؤ ما في النمو الاقتصادي ككل، مستدركا بقوله: إن مدى تأثير انخفاض أسعار النفط على الدول المصدرة يختلف من دولة على دولة وفقا لإمكانياتها الاقتصادية وحجم الاحتياطيات المالية فيها وقدرتها على تمويل الإنفاق الحكومي بما يدفع النمو الاقتصادي مؤقتا باعتبار أن انخفاض أسعار النفط سيرفع الطلب العالمي على النفط نتيجة انخفاض الاستثمار فى بدائل الطاقة وإفلاس بعض الشركات والبنوك المرتبطة باستثمارات إنتاج مصادر الطاقة البديلة أو التنقيب عن مصادر جديدة للنفط، بالإضافة إلى عدم الاستمرار في بعض وسائل المحافظة على الطاقة. وشدد على أن انخفاض الأسعار سيشجع على زيادة الاستهلاك، مما يؤدي إلى امتصاص العرض الفائض في الأسواق، ويحفز من استخدام النفط بشكل تبذيري وبالتالي نمو الطلب بدرجة أكبر قد تفوق القدرة الإنتاجية لبعض الدول المنتجة وبالتالي إلى تزايد الأسعار بشكل سريع، أي أن انخفاض الأسعار سيؤدي في المدى الأطول إلى زيادة الأسعار. وأكد على أن التأثير السلبي لانخفاض ايرادات التصدير قد يتزامن مع عوامل أخرى، مثل انخفاض قيمة العملة المحلية وتأثير استمرار أو رفع العقوبات الدولية كحالة روسياوإيران، موضحا أنه قد لا تتوافر للدولة المصدرة احتياطيات كافية لمواجهة الآثار السلبية، مثل حالة نيجيريا، والنرويج، وفنزويلا. وزاد في هذا الجانب بقوله: هناك دول تنتج النفط ومصادر الطاقة الأخرى التي تعتبر مستهلكة أكثر من كونها مصدرة مثل الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، والمكسيك لهذا يعتمد حجم تأثير انخفاض الأسعار على حجم اعتمادها على النفط المستورد؛ أما الدول التي تظهر مكاسبها بصورة كبيرة بسبب اعتمادها على النفط المستورد فتشمل اليابان، ودول منطقة اليورو في الاتحاد الأوروبي وتركيا بعد حساب الانخفاض في سعر النفط وتغير سعر الصرف؛ إلا أن ذلك قد لا يكون له تأثير إيجابي بالحجم المتوقع على الصين والهند اللذين يمثلان الأمل في نمو الطلب بسبب اعتمادهما في الإنتاج على الفحم أكثر من النفط باستثناء قطاع النقل. ونقلت (رويترز) عن (جولدمان ساكس) قوله: إن الضربات الجوية في اليمن لن يكون لها تأثير يذكر على إمدادات المعروض النفطي نظرا لأن اليمن مصدر صغير للخام، وأن الناقلات يمكنها تجنب العبور من مياهه للوصول إلى الموانئ التي تقصدها. في المقابل استبعد بنكا (جولدمان ساكس) و(إيه إن زد) أن يؤدي أي اتفاق نووي مع إيران إلى ارتفاع صادرات النفط الإيرانية قبل النصف الثاني من العام الحالي.