تجيب عن التساؤل السابق الدكتورة سعاد المانع في إصدارها الأخير «المرأة ونقد الشعر» الذي يرصد بدايات المرأة في النقد العربي، وجعلت الجانب التطبيقي قراءة لنصوص النقد المنسوبة إلى سكينة بنت الحسين، مما يجعل كتاب الدكتورة مثيرا، ليس كونه فقط يؤكد على حقيقة مشاركة المرأة نقديا والرد على مقولة «صمت المرأة عن التعبير الأدبي في تاريخ المرأة القديم» إنما يتعدى ذلك إلى الاختيار الذكي لتلك النصوص المنسوبة للسيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما، وهي سليلة البيت النبوي، فنجدها تحكم وتفصل بين جيد الشعر ورديئه، بل وتثبت أنها ذات حافظة قوية في عقد مقارنات مذهلة بين شعراء اختاروا موضوعا واحدا لقصائدهم، فكانت تفاضل بينهم على أساس معايير جمالية غاية في الدقة والإقناع. تقول الدكتورة في كتابها (المرأة ونقد الشعر): «إن الصمت المطبق حول دور المرأة في اللغة والثقافة في القديم لا يبدو غريبا في إطار النظريات المعاصرة ل(النقد الأدبي النسوي) في الغرب التي ترى أن نصيب المرأة في الثقافة القديمة هو الصمت»، إذن الصمت هو نصيب المرأة في الثقافة الشفهية وحتى عندما بدأت الكتابة بعد ذلك بقرون، فلماذا كان الصمت هو نصيب المرأة، مع أنها توصم بالثرثرة دائما في ثقافتنا الشفهية، بل يتعدى ذلك إلى أن أكثر أهل النار من النساء بسبب ألسنتهن الطويلة! فكيف نجمع بين الصمت والثرثرة في حياة تلك المخلوقة؟! المفارقة أن الكتاب يجيب على ذلك بطريقة تدفعنا إلى تساؤلات أكثر دهشة، فهو ينتهي إلى أن "صوت المرأة العربية في بدايات التاريخ العربي الإسلامي كان مسموعا وكان يسجله الرواة، وأنها لم تخلد إلى الصمت إلا في القرون التالية" !! وفي اعتقادي أنها أجبرت على الصمت من خلال بيئة متشددة أقصت وهمشت المرأة، هذا الفكر أنتج لنا حالات مريعة من اللامنطق في التعامل مع كل ما يخص شؤون المرأة، ولذلك ركن حتى الرواة والمفسرون والفقهاء إلى (تصميت) المرأة إن صحت الكلمة حتى تبقى السلطة الذكورية مهيمنة طاغية بعد القرون المفضلة، وإلا فهل يعقل أن لا يكون للمرأة نتاج شعري معترف به من قبل المؤسسة الأدبية الرسمية إلا في غرض الرثاء وعلى رجل أيضا، وألا نحتفل سوى بأشعار الخنساء وهي تندب أخاها صخرا؟!.