أقيم منتدى التنافسية الدولي في دورته الثامنة في مدينة الرياض الأسبوع الماضي، والذي كان مختلفا عن سابقه من جميع النواحي، بدءا من اختيار المتحدثين والمواضيع المطروحة للنقاش وعرض التجارب وورش العمل، وأخيرا التنظيم الرائع والمركز الإعلامي المتميز، فقد أبدعت الهيئة العامة للاستثمار في إدارتها للمنتدى، وعلى رأسها معالي الأستاذ عبداللطيف العثمان الذي كانت بصماته في كل مكان. لقد استمتع الجميع بالكثير من الخبرات والتجارب الناجحة وتشخيص الوضع والمشاكل التي تعيق الاستثمار والتنمية المستدامة لدينا، والتي منها البنية التحتية والفرص الاستثمارية المتاحة، والقدرة التنافسية والابتكارات والتكنولوجيا والتعليم بجميع مراحله ومخرجاته، والتدريب المتخصص، والعوامل الجاذبة للاستثمار كعدم وجود ضرائب، وتسهيل الإجراءات والأنظمة بما يخدم المنظومة الاستثمارية والتحفيزات للنمو الاقتصادي. هناك الكثير من الدروس المستفادة من المنتدى، والتي أحببت التطرق لبعض منها، والتي منها أولا حضور عدد من أصحاب السمو والمعالي الوزراء ومديري عموم الشركات أعطى رسالة اهتمام وقيمة خاصة داخليا وخارجيا للمنتدى، ولكن مما يعيب البعض منهم أنه لا تزال عالقة في بعض أذهانهم عندما يكون أمام الحضور التركيز على إنجازاته، بينما الهدف من هذه المنتديات مناقشة واقتراح ما يمكن تعديله لحل مشكلة معينة. ثانيا المبالغة في الإحصائيات والأرقام التي نشاهدها أو نسمعها من البعض، أرقام فلكية لا وجود لها على أرض الواقع، مما يعطي انطباعا عن عدم الدقة والتضليل، خصوصا عندما تستخدم الأرقام الفلكية إما في الاستثمارات أو عدد الوظائف التي سوف يوفرها هذا المشروع أو ذلك، وعندما نريدها على أرض الواقع نجدها أرقاما وهمية غير صحيحة، مما قد تتسبب في اتخاذ قرارات خاطئة ويفاجأ الجميع بأنها كانت مبنية على أرقام مغلوطة، ثالثا نحن بحاجة إلى رفع نسبة الشفافية والمصداقية في الطرح والاعتراف وتشخيص المشكلة وعرض الحلول الملائمة القابلة للتطبيق، فالعالم اليوم اختلف بكثير عن العالم السابق، وأصبحت المعلومة متوفرة بين يدي الجميع ولا يمكن إخفاء الحقيقة. رابعا من أجل الخوض في منافسة العالم يجب تغيير ثقافة التفكير والقناعات لدى بعض الموظفين والموظفات ممن يعتقدون بأن الوظيفة بمثابة ضمان اجتماعي، وأنها مجرد وظيفة وليست مهارة وابتكارا وتميزا، وهذه الأساليب لها تأثير على الإنتاجية والولاء وحب الإنجاز والتطوير. خامسا الاجتهاد والحماس المستمر لحل المشكلة، فغالبا نبدأ متحمسين، وعند مواجهة معوقات نتنازل أو يصيبنا الملل والفتور ولا نكمل المشوار، ولن تأتي الحلول على طبق من ذهب، ولكن من سار سوف يصل. على الرغم من وجود بعض الملاحظات، وهذا أمر بديهي لا بد منه بهدف التطوير والتحسين المستمر وليس النقد، إلا إنه هناك الكثير من الأعمال الإبداعية والمتميزة البعيدة عن النمطية المعتادة، سواء في عرض التجارب أو استعراض المعوقات والحلول المناسبة، صاحبت المنتدى، والتي اخترت منها مثالين فقط، أولهما: اللقاء الذي أجراه الصحفي نيك جوينج مع المهندس خالد الفالح رئيس شركة أرامكو السعودية، والذي هو بدوره أبدع في الرد على الأسئلة باحترافيته المعهودة، وقد نال إعجاب الجميع، وعندها شعرت بالفخر والاعتزاز خاصة أمام غير السعوديين. وثانيهما لقاء باتريك ديكسون رئيس مجلس إدارة التغير العالمي (Global Change)، فقد كانت خاتمتها مسكا لوضوح المنهجية وأسدى النصائح والتجارب التي لا تقدر بثمن. أتمنى أن تتبنى الهيئة العامة للاستثمار عقد لقاءات ربع سنوية على شكل ورش عمل لمدة ساعتين أو ثلاث في مناطق المملكة المختلفة، بحضور وزراء ورجال أعمال وشركات محلية للخروج بتوصيات يمكن تطبيقها فورا أو تحدد مدة معينة للتطبيق، من أجل أن لا تكون المنتديات والمؤتمرات نسخا مكررة بدون جدوى، والاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين.