فقدت الأمة العربية والإسلامية قائدا فذا وزعيما شعبيا، رحم الله الملك عبدالله وتقبله بوسيع جناته، وأعان الملك سلمان على حمل الأمانة الثقيلة والمسؤولية الجسيمة للمرور بالسفينة التي تقلنا جميعا إلى بر الأمان، في ظل هذه العواصف الهوجاء والأنواء المتقلبة التي تضرب أنحاء المنطقة، وليوفقه الله لاختيار البطانة الصالحة التي تعينه وتساعده لما فيه مصلحة العباد والبلاد. تعددت الألقاب التي استحقها الملك الراحل بفضل أعماله وإنجازاته، سواء محليا أو إقليميا أو دوليا، إنما يظل لقبان أراهما الأقرب إلى قلبي، الملك المصلح، وملك الإصلاح، والمآثر تخلد ذكرى صانعيها. ارتبط اسمه بالإصلاح حتى قبل تولي الحكم، فقد استقبل مجموعة من الإصلاحيين عندما كان وليا للعهد، وما زلت أتذكر حكمته عندما حذرنا من الاستعجال والقفز إلى المجهول، تبنى ووضع مشاريع إصلاحية كبرى نتجت عنها قفزة تطويرية لأنظمة بيروقراطية متكلسة وحركة دؤوبة محورها مصلحة الوطن والمواطن، كتطوير القضاء والتعليم العام، استحدث نظاما للابتعاث شكل نقلة كبرى لتعليمنا العالي، أوجد مؤسسات رقابية أكثر جدية، ومجلس شورى أكثر فعالية، ثم توج كل أعماله بتوسعة نوعية للحرمين الشريفين. خليجيا، كان بمثابة الوالد لكل زعماء المنطقة، وما زالت دعوته للوحدة الخليجية تلامس أذن كل عاقل واع بما يحاك للمنطقة من مؤامرات داخلية وخارجية. عربيا، ساهم في إطفاء حرائق شتى حتى دعوه عن حق بحكيم العرب. دوليا، تكفي كلمته لرئيس أمريكا الأسبق الصلف بوش الصغير «للصداقة حدود يا فخامة الرئيس» عندما رأى محاولات للتدخل بشؤون المملكة أوقفها بكلمة، فرض وجود الدولة كلاعب إقليمي وعالمي مهم. رحمه الله رحمة واسعة، فقد كان رحيما بشعبه. والملك سلمان ليس غريبا عن هذه الإنجازات، فقد صنعت بين يديه، والخبرات والتجارب التي مرت عليه والحنكة التي يتمتع بها ستتيح له مواصلة السير والإنجاز على ذات الطريق. كل الآمال الطيبة للملك سلمان بعهد مشرق ومسيرة متواصلة للإصلاح والتطوير، ولملوكنا سنة حسنة ذلك أنهم يبدأون عهودهم ببشارات جميلة لمواطنيهم. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، وحفظ الله الوطن وأمنه واستقراره من أطماع الطامعين.