مع بداية تجمع المصريين في ميدان التحرير العام الماضي، أطل أحد المقربين من الرئيس السابق حسني مبارك في عدد من القنوات الفضائية مدافعا عنه ومستنكرا ما يفعله الشباب في (التحرير)، مذكرا الشعب المصري والأمة العربية بإنجازات الرئيس الخرافية التي كان من أبرزها هزيمة إسرائيل في حرب 73 تقريبا (لوحده)! ناهيك عن تحريره الكويت، ورفاهية الشعب المصري التي لم يستمتع بها بسبب أيادٍ خارجية ومؤامرات تحاك ضده وضد مصر! ولم يصمد حسني على كرسيه سوى أسابيع معدودة وسقط بسرعة ما زلت أنا أستغربها حتى الآن، وأطل الشخص نفسه في قنوات أكثر، لكنه هذه المرة أبكى المشاهدين.. من كثرة ما بكى.. لقد أظهر حسني وحشا دمر البلاد، وقمع الشعب المصري العظيم، وكتم أنفاسه لثلاثين عاما خلت، وأظهر أنه كان السبب في نكسة 67، وتشجيع صدام على احتلال الكويت بتراخيه ورغبته في تقاسم الثروة معه! ذلك المقرب نجا من وصفة (فل) من فلول حسني وتحول لمناضل أسقط الطاغية.. هنا لن أتطرق لحسني مبارك أو فترة حكمه، ولن أدافع عنه أو أنتقده وإن كنت أتعاطف معه في نهاية المطاف عندما أتابع ما يحدث في مصر اليوم، وأستشرف ما سيحدث مستقبلا، بل رغبت في الاستشهاد بما تفعله (البطانة). البطانة.. هي الحماية، والمفترض أن تكون جدار الوقاية من كل شر، وهي دعامة نجاح أي قائد، وفي أي مجال، فلا يوجد من يعمل وينجز بمفرده.. وأهم أدوات نجاحه هي بطانته، إلا أنها في الوقت نفسه، مصدر كل فشل، وكل إساءة يتعرض لها الحاكم أو المسؤول أو المدير، ولذلك يكثر الدعاء بالبطانة الصالحة وخاصة للزعماء والقادة لأنهم مسؤولون أمام الله عن شعوبهم. لكن ما يحدث في عالمنا العربي وفي زمن (الخريف) يبين أن البطانة في بعض الدول بالفعل هي المسيطرة على كل شيء ولذلك سقطت أنظمة بطريقة مذلة لو حكمت العقل لما سقطت بها، وأنها هي التي تدير وتحرك وتعمل وهنا أقصد البطانة القريبة جدا، بعيدا عن الوزراء مثلا الذين يعيشون في ملكوتهم من عمل وإنجاز لدى الأقلية وعمل وسرقات من مقدرات الأوطان لدى الأكثرية منهم! البطانة الصالحة سأتحدث عنها لاحقا، أما الفاسدة فهي التي تزور الحقائق، وتجعل الأسود أبيض والعكس، هي التي تصور للحاكم أن شعبه الذي يتضور جوعا يرفض خبزه المحلي ويطالب بذلك الفرنسي الساخن الذي من المحال أن يستورد (ساخنا)! ولذلك يشتكي، هي التي تصور للحاكم أن شعبه يريد بيوتا مساحتها بآلاف الأمتار وحكومته توزع عليهم مساحات لا تتجاوز الألف متر، ولذلك يشتكون! طبعا بالتنسيق مع الوزراء المعنيين والمفيدين والمستفيدين.. وهم أنفسهم الذين إن أرادوا تمرير معاملات استقدام لأجانب يقبضون مقابلها الملايين، أكدوا للحاكم أن كل مواطن لديه وظيفة مريحة لا يرغب في التخلي عنها بسبب مزاياها الرائعة، ولا مناص من الاستقدام، فعملية التنمية يجب ألا تتوقف! الخوف الخوف من منع الزكاة أو إلغاء الضمان الاجتماعي والمساعدات الإنسانية لمواطني بعض الدول العربية، فالبطانة قادرة على أن تثبت للحاكم ألا أحد يتقبل الصدقات والمعونات وأن لا فقراء مسلمين يستحقونها، فتذهب لمخصص تشرف عليه البطانة وتديره لأغراض بالتأكيد ستخدم الوطن.. مشكلة البطانة أن أغلبها جاء إلى المنصب، أو بمعنى أصح قرب من الحاكم وكان (جائعا) للسلطة، طامعا في مكاسبه الشخصية، أما بالنسبة للمال فهو بالتأكيد مهم ولكنه تحصيل حاصل طالما أنه جالس على (كرسيه) ولذلك فإن أعينها لا تمتلئ سوى بالتراب، فهي من كل شيء تأخذ، ومن كل معاملة ترتشي، فلا فرق بين مليون دولار وألفي يورو، لقد أصبحت العادة هي المسيطرة، ورقم الرصيد في البنك تجاوز المعقول، بل يقال إن أحد أفراد البطانة في دولة ما رصيده البنكي يفوق رصيد سيده! الأدهى والأمر أن تلك العادة تتحول أحيانا لوقاحة تضرب بمصلحة الوطن عرض الحائط، ولا أحد يستطيع حتى التعليق لا المحاسبة، كما حدث قبل عقد من الزمان عندما أعلن الملياردير بيل جيتس عن تبرعه بمليون جهاز كمبيوتر لدولة عربية، ثم فوجئ الجميع بإرسال تلك الأجهزة لدول أخرى غير التي أعلن عنها، لقد كان السبب مخزيا: البطانة طلبت منه رشوة لقبول ذلك التبرع! هل تعرفون من يدفع الثمن من كل تلك التصرفات.. هو الحاكم مهما كان طيبا أو محبا لشعبه.. ولكنني أتساءل هنا: أليس باستطاعته أن يحسن الاختيار؟ أليس هو الراعي وهو المسؤول عن رعيته؟ ألا يستطيع أن يوجد نظاما شفافا واضحا فيه المحاسبة للجميع وأولهم بطانته؟ ألا يستغرب من أرصدة وحسابات أفراد بطانته المالية؟ ألا (يجرؤ) أن يسألهم من أين لكم هذا؟ ألا يسمع من الآخرين شكاواهم عن معاملة بطانته؟ ألا يسأل لماذا؟ ولماذا ولماذا.. أسئلة كثيرة يجب أن يطرحها عليهم فالناس أمانة في (عنقه).. وهل يعلم أن ذلك الذي اغتصب حقه، والآخر الذي سجن ظلما.. والثالث الذي قتل عمدا سيكون هو خصمهم يوم القيامة وليس بطانته فقط؟.. أعتقد أن زمننا الحالي يدفعنا للإصلاح، وهذا أمر منطقي، واهتزت عروش لأجله، إلا أنني أعتقد أن ركيزة الإصلاح الأولى تكمن في اختيار البطانات الصالحة قبل الدساتير وأنظمة الحكم.. ولا أعتقد أن ذلك أمر يصعب فعله، الملك عبدالله بن عبدالعزيز فعل ذلك.. من وجهة نظري فإن البطانات أربع أنواع مرتبطة بالحاكم: أولها: حاكم طيب وبطانة فاسدة ومن وجهة نظري يمثلها حسني مبارك. وثانيها: حاكم أحمق وبطانة مهمشة ويمثلها القذافي. وثالثها: حاكم سفاح وبطانة شريرة ويمثلها الأسد. أما الرابعة فهو الحاكم المخلص والبطانة المخلصة، وذلك نموذج الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وعندما أكتب ذلك فأنا أعنيه بالفعل، لا أتملق أو أجامل، لكنها الأحداث التي تثبت ذلك، لقد استطاع الملك ومنذ التصاق الشيخ عبدالعزيز التويجري (رحمه الله) به، كوكيل للحرس الوطني أن يختار بعناية القريبين منه، وقد نجح في ذلك. ولذلك فأبوابه مفتوحة للجميع، بل إنه هو من طرق أبواب الفقراء وذهب إليهم، وهو من يقود بإخلاص دفة الإصلاح والتنمية من أجل الوطن ومواطنيه.. وعندما انتفض العالم العربي بالثورات وانشغل بها، كنا وما زلنا مشغولين بالتنمية.. نحن لسنا البلد الكامل والمنزه من الأخطاء.. أعي ذلك جيداً، هنا حديثي عن البطانة التي جعل منها عبدالله بن عبدالعزيز نموذجا للصلاح.