رفع معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ باسمه ونيابة عن أعضاء المجلس ومنسوبيه التهاني والتبريكات لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ، وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهما الله - بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الحادي والثمانين للمملكة العربية السعودية. وأعرب معاليه في كلمة بهذه المناسبة عن تمنياته بأن يديم المولى القدير على بلادنا نعمة الأمن والأمان ، في ظل قيادتها الحكيمة. واستعرض مسيرة الشورى من خلال قراءة تناول فيها مراحلها الأولى في المملكة ، واللبنات التي وضعها قادتنا في جسم هذه المؤسسة العريقة النابعة من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام. وفيما يلي نص الكلمة : يسرني باسمي وباسم أعضاء مجلس الشورى ومنسوبيه أن أرفع أصدق التهاني لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظهما الله - بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الحادي والثمانين لبلادنا - حرسها الله -. كما أهنئ بهذه المناسبة الأسرة المالكة الكريمة ، والشعب السعودي الوفي ، وأسأل المولى القدير أن يحفظ على بلادنا أمنها واستقرارها. إن من توفيق الله سبحانه أن يسر لبلادنا قادة حرصوا على التمسك بالقرآن المطهر في كل شأن من شؤونها ، حكماً وعملاً وخدمة ، متأسين ومتمسكين بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث سلكوا بهذه البلاد وشعبها مسلكاً صالحاً ينهل من معين لا ينضب عدلاً ورخاءً ، متطلعين للمستقبل بنظر ثاقب يحفظ ما تحقق من مكتسب ، طامعين في المزيد من خطى التطوير المحصن عن كل تسرع وزلل. ولعلنا حينما نحاول أن نقرب المثل - على ما تقدم من حديث - فإننا نجد تطبيق الشورى كمبدأ إسلامي عريق جاء الوحي المطهر به حاثاُ عليه مرغباً فيه ، قامت بلادنا عليه في أساسها ، وعملت على تطوير آلياته بما يتوافق مع المبدأ في أساسه ومع فكر التطوير ، فإن الشورى من أنصع الصفحات التي يسجلها التاريخ الحديث بتقدير عال للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في تطبيق مبدأ الشورى كأساس من أسس حكمه لهذه البلاد منذ توحيدها وهو ما سار عليه أبناؤه البررة من بعده. فقد آمن الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده بأن للشورى أهمية كبرى في إدارة شؤون هذه الدولة ، كما أنه لم يؤثر عنهم الانفراد بأمر من الأمور دون الاستشارة ، حيث كان دستورهم : (وأمرهم شورى بينهم). والشورى في المملكة ثرية عبر مراحل تطورها، وفي ممارستها ، وما شهدته من نقلات تطويرية عبر تاريخها لتتواكب مع مستجدات العصر, والمتغيرات الداخلية والخارجية للبلاد , وما تتطلبه الدولة من مقومات تنموية وتنظيمات ، حيث أسهم مجلس الشورى منذ تأسيسه قبل أكثر من ثمانية عقود في وضع اللبنات الأولى لتطور وتنمية المملكة العربية السعودية وشعبها الكريم. لقد جاء دخول الملك عبدالعزيز مكةالمكرمة في العام 1343 ه إبان توحيد البلاد مناسبة مثلى أعلن فيها - رحمه الله - عما كان يجول في خاطره ويسعى من أجله ليعلن من رحاب البيت العتيق تطبيق مبدأ الشورى كأساس من أسس الحكم لهذه البلاد ،مرسخاً بذلك عهدا جديدا لمبدأ إسلامي متوارث في مبادئ الحكم للمملكة العربية السعودية التي جعلت من كتاب الله الكريم وسنة نبيه المطهرة دستورا لها ومنهجا تسير عليه. وافتتح جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله يوم الخميس 14/ 1 / 1346ه أول دورة للمجلس من جوار بيت الله في مكةالمكرمة وترأس أولى الجلسات الأمير فيصل بن عبدالعزيز رئيس المجلس آنذاك ، ونظر في المعاملات ودرسها قبل عرضها على المجلس.. واستمر المجلس في أعماله بشكل فاعل، وفي عام 1349ه افتتح جلالة الملك عبدالعزيز الدورة الثالثة للمجلس بمدينة الطائف وقال في كلمته الافتتاحية : ( لقد أمرت ألا يسن نظام في البلاد ويجري العمل به قبل أن يعرض على مجلسكم). وتوالت إنجازات المجلس وأعماله وتم زيادة الأعضاء حتى وصل عددهم (20) عضواً في العام 1372ه , وأصبح عدد لجان المجلس في عام 1373ه سبع لجان. وفي عهد الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله الذي كان متابعاً لأعمال المجلس تم إعادة تكوين أعضاء المجلس في العام 1375ه وزيادة عددهم إلى (25) عضواً، وبدأ بعد ذلك المجلس بالتطور والتقدم بالمتابعة والاهتمام الذي أولاه أبناء الملك عبدالعزيز: الملك سعود والملك فيصل والملك خالد رحمهم الله جميعاً وبذلك يكون المجلس القديم قد أنهى (51) دورة في خمسة وخمسين عاماً عقد خلالها (5963) جلسة أصدر فيها (8583) قراراً. و عندما قطعت المملكة شأناً بارزاً في التنمية قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بتحديث الأنظمة في البلاد فأعلن في خطابه التاريخي الذي ألقاه في يوم 27/8/1412ه عن إصدار الأنظمة الثلاثة، نظام الحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، فكانت إعادة تحديث نظام مجلس الشورى بمثابة تحديث وتطوير لما هو قائم، عن طريق تعزيز أطر المجلس ووسائله وأساليبه من الكفاية والتنظيم والحيوية، بما يتناسب مع التطورات المتلاحقة التي شهدتها البلاد خلال الحقبة الأخيرة في مختلف المجالات، وبما يواكب واقع العصر الذي تعيشه، ويتلاءم مع أوضاعه ومعطياته، إيذاناً ببداية مرحلة جديدة من تاريخ الشورى العريق في المملكة العربية السعودية. وتمثل الشورى في المملكة العربية السعودية دعائم أصيلة راسخة قامت المملكة على أساسها ، وكلما أوغلنا في دراستها وتطبيقاتها اتضحت في أذهاننا صور الأصالة والتطوير والإصلاح ، فالشورى وعاء التعاون ، وصمام الأمان ، ومصدر الرأي السديد ، وبها تصان الحقوق والحريات بإذن الله ، وتكتمل مسؤوليات الفرد والجماعة. وعلى هذا الأساس قام مجلس الشورى في المملكة. وتتلخص المراحل الثلاث التي مر بها مجلس الشورى في مرحلة البناء والتطبيق وهي التي كانت في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - , وهي أهم المراحل في تاريخ الشورى بالمملكة، ومرحلة المراجعة والتقييم التي امتدت منذ بداية عهد الملك سعود حتى نهاية عهد الملك خالد رحمهم الله جميعاً ، ومرحلة التحديث والتطوير في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله حيث صدر النظام الجديد لمجلس الشورى وهي بمثابة تحديث وتطوير للنظام السابق ومواكب لمتطلبات العصر تم فيه الجمع بين الممارسة والتطبيق، حيث وقع النظام في (30) مادة، كما صدرت توجيهات كريمة باللائحة الداخلية للمجلس وهي في (34) مادة، وكذلك لائحة حقوق أعضاء المجلس وواجباتهم في (6) مواد، وأيضاً قواعد الشؤون الوظيفية والمالية للمجلس في عشر مواد، وأخيراً قواعد التحقيق والمحاكمة لعضو المجلس وإجراءاتها في خمس مواد.. ليكتمل بذلك المجلس في كافة النواحي. وحظي مجلس الشورى ويحظى بالدعم والاهتمام من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ كان ولياً للعهد وبعد أن تولى الحكم في البلاد في 26/6/1426ه الموافق 1/8/2005م ؛ حيث أولى حفظه الله المجلس جل عنايته ودعمه لمسيرته وتعزيز أهدافه كي ينهض بدوره ويواكب المتغيرات الايجابية التي تعيشها المملكة بما يحقق الرفاه للوطن والمواطن. إن مجلس الشورى شريك مهم في صناعة القرار الوطني وداعم رئيس لمسيرة التحديث والإصلاح التي يقوم عليها الملك عبدالله بن عبدالعزيز, وما تبعها من تنظيمات إصلاحية متواصلة شملت مجالات القضاء والاقتصاد والتنظيم ، والإدارة والتنمية البشرية ، وترسيخ مبدأ الحوار الوطني وحقوق الإنسان ، وتوسيع دائرة المشاركة للمواطن وإعادة أعمال المجالس البلدية وأسلوب انتخاب أعضائها ، وتطوير نظام التعليم وتحديث مناهجه ، ومعالجة أزمة الإسكان والتوظيف ، وظاهرة الفقر ، هي صور لبعض ما التزمت به القيادة نحو هذه البلاد ومؤسساتها ومواطنيها حيث لا حدود للتطوير طالما اتفق مع الشرع الحنيف، وسار في مسار التدرج والانضباط العام. ولعل الثقة التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين - حفظه الله - للمجلس وأعضائه هي من ضمن المحركات الرئيسة للنهوض بأعمال المجلس ، ففي كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة دليلاً على الثقة الكبرى الممنوحة للمجلس حيث قال - رعاه الله : ( لا نريد لمجلس الشورى أن يتوقف عند هذا القدر من المسؤوليات ، بل نتوقع منه أن يستمر في عطائه وأن يقترح من الأنظمة واللوائح ابتكاراً وتعديلاً ما يرى فيه مواكبة للمستجدات المعاصرة ومصلحة راجحة لهذه الأمة التي تتطلع إلى المجلس على أنه عضد قوي للدولة بجميع أجهزتها المختلفة ). كما أكد - خادم الحرمين الشريفين دعمه ورعايته بالمجلس وإيمانه الراسخ بأهميته بقراره - أيده الله - إشراك المرأة السعودية عضوا في المجلس ابتداءً من دورته القادمة. إن المرأة السعودية باتت اليوم أحد الأركان المهمة في المجتمع السعودي ودعامة مهمة في خطى التطور ، حيث ستشارك المرأة في المجلس كعضو كامل العضوية - وفقاً للضوابط الشرعية الإسلامية - ، وبما يكفل لها الراحة والحرية في وجودها داخل المجلس وتحت قبته عبر عدة أمور إجرائية استعد بها المجلس لاستقبال أخواتنا الكريمات. وبتوفيق من الله تعالى ثم بدعم ولاة الأمر أصبح المجلس سنداً قوياً للدولة ، وحلقة رئيسة في منظومة السلطة التنظيمية في المملكة , وعضواً فاعلا في العديد من الاتحادات البرلمانية سواء على المستوى العالمي أو القاري أو الإقليمي ، ويتفاعل مع نظرائه الأعضاء في هذه الاتحادات تفاعلاً إيجابياً يعطى ويأخذ ما يراه مفيداً لتطوير عمله وآلياته بما يحقق أهدافه السامية.