اتسع الجدل حول إطلاق لقب «الإعلامي والإعلامية» في مواقع التواصل الاجتماعي على أشخاص مجهولين، أو لم يكن لهم دور ملموس في الإعلام السعودي، ما أثار حفيظة أهل المهنة الحقيقيين الذين اعتبروا تلك ظاهرة ابتذال، بعد أن استسهل الكثيرون مثل هذه الألقاب، حين اكتشفوا بأنها تختصر مسيرة أناسٍ دخلوا هذا المعترك، وتنقلوا في حقوله، وعملوا فيه سنوات طويلة. وعلى الرغم من عدم وجود تعريف محدد لهذا المسمى الذي شاع على نطاق واسع وتداوله العامة في فضاء الإنترنت، ووسائل الإعلام، والمناسبات العامة، إلا أن هوس بعض فئات المجتمع وولعها بالألقاب والرموز، وتهاون المؤسسات الإعلامية، من الأسباب الرئيسة لتفشي هذه الظاهرة المزعجة. واعتبرت الإذاعية دلال ضياء إطلاق مسمى «إعلامي وإعلامية» في مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الخاصة والمنتديات العامة على شخصيات وأسماء مجهولة أو لم ترصد لها من قبل أي مشاركات في الإعلام السعودي بأنه نوع من الابتذال، بعد أن أصبح الإعلام مهنة من لا مهنة لهم من الجنسين، ومصدر إزعاج لجميع المتخصصين الذين عملوا في الإعلام لسنوات طويلة. وقالت: «لم أعد أفضل أن أصف نفسي بالإعلامية بعد أن شاع هذا الوصف وأُسيء استخدامه بهذه الصورة المزعجة في مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمنتديات، بحيث أبهمت هوية ومسؤوليات ومهام الإعلامي الحقيقي، فمهنة الإعلام كغيرها من المهن تحتاج إلى أناس متخصصين يعملون بها، ومن المفترض أن لا يسمح لأي أحد أن يمنح نفسه الوصف مهني لمجرد أنه أجرى حوارا، أو نشر مقالا، أو شارك في أي وسيلة إعلامية أخرى، فالأمر لا يحسب بسنوات العمل والخبرة، بل بالتخصص، بمعنى أن تكون له وظيفة مباشرة بالإعلام، سواء المقروء، أو المسموع، أو المرئي، أو الإعلام الحديث». وأضافت: «على أيامنا لم يكن هذا الوصف شائعا، فالكل كان يصف نفسه بالتخصص الذي يعمل به مثل: المذيع، الصحفي، المعد، المصور.. أما الآن، فالإعلام كلمة جامعة تشمل جميع الحقول، وما يحدث الآن من فوضى سببه بعض الدخلاء على المجال من بعض أبناء جيل اليوم الذين لا يعون منه شيئا وهمهم الألقاب فقط». واستغربت الكاتبة الصحافية حليمة مظفر هذا الاستسهال في إعطاء الألقاب في مجالات الإعلام المتعددة لمن يعملون فيه ولو عملا متواضعا أو من قبيل الهواية أو كان حتى تحت التدريب، مشيرة إلى أنها تأتيها مراسلات من بعضهن يعرفن بأنفسهن أنهن إعلاميات، بينما لا تزيد خبرتهن على بضعة شهور، سواء أكانت إحداهن تعمل في الصحافة أو التلفزيون أو الراديو. وقالت حليمة مظفر: «ما يحزنني أن نرى هذه الألقاب تنثر كالورود على الهواة ودارسي الإعلام وذوي الخبرة المتواضعة، فليس كل متخرج من كلية الإعلام إعلاميا إلا بالممارسة العملية الناجحة والمتفوقة التي تلمس تأثيرها في الرأي العام»، مشيرة إلى أن الإعلام نفسه مرئيا أو مقروءا أو مسموعا أسهم في نشر هذه الألقاب وتوزيعها على من لا يستحقونها، حين يقدم نماذج وشخصيات تزعم بأنها إعلامية رغم أنها قدمت للإعلام أعمالاً بسيطة ومتواضعة. وذكرت المذيعة نشوى السكري أن الإعلام هو الذي أسهم في ولع المجتمع بالألقاب والمسميات، وتحديدا المرأة السعودية، حين ركز في وقت ما على كلمة «أول سعودية»، وأصبح هذا اللقب الشغل الشاغل للكثيرات منا، حتى وصل الحال إلى بث مادة خبرية، فضلا عن أن الإعلام يلهث خلف الألقاب، وقد يخلع على البعض ألقابا لا يستحقونها لمجرد منح القوة للقاء أو لتحقيق صحفي ثم يفاجأ المتابع بضعف المحتوى وخواء الفكر، ما يؤثر سلبا على حامل اللقب الأجوف. وتابعت السكري: «ولعل من أسباب انتشار هذه الألقاب على مواقع التواصل الاجتماعي عدم الوعي والإحساس بالنقص والخواء الفكري، فيشعر المرء أن اللقب هو ما يمنحه القوة، بينما يغيب عنه أن الكلمة والأسلوب والثقافة والتمكن من المهنة هم من يمنحونه احترام وتقدير الآخرين». وأرجع رئيس القسم الثقافي بجريدة الوطن محمود تراوري شيوع وتفشي هذه الظاهرة إلى التساهل والتسامح الكبير الذي تبديه معظم وسائل الإعلام بالإفراط في إطلاق الألقاب، مثل كلمة «مفكر» التي يرى أن عدد من يستحقونها عربيا محدود جدا ولا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ولكنها في معظم الصحافة العربية تطلق بمجانية مقيتة على كثيرين ممن لا يمكن أن يعدوا إلا باحثين، وأحيانا باحثين رديئين أيضا، وتقاس على ذلك مفردات «إعلامي، روائي، شاعر». وقال: «هذا بالضرورة أفضى إلى فقدان هذه التوصيفات والتعريفات معانيها الحقيقية، وبالتالي استسهل البعض من محدودي الوعي الالتصاق بها، ذلك أنها فقدت هيبتها ووقارها، لكن المدقق في المسألة ربما يلحظ أن معظم السائرين في هذا الدرب غير مستقلين، سطحيو التفكير، غوغائيون، تميزهم أمية وضحالة وهشاشة رؤية، ناهيك عن تمتعهم بفقر معرفي مدقع، طبعا دون أن ننسى أن للمسألة بعدا سيكولوجيا، ففي علم النفس ثمة دراسات تقول بالبارانويا الكتابية التي تصيب بعضا من الناس، ما يؤدي إلى تضخم ذواتهم وتورمها عندهم، دونما إحساس لديهم؛ لأن ذلك يمثل عاملا تعويضيا مهما لهم، عن إحساس بنقص، أو عقدة معينة، حتى لو في اللاوعي». ولم يستبعد تراوري تأثير العامل الاجتماعي في مجتمعاتنا العربية الداخل ضمن منظومة الفساد العامة، حيث التقدير لبعض الأدعياء وطالبي الفلاشات والدخلاء على معظم المجالات، وتصدرهم الصفوف، وأكلهم على جميع الموائد، ما يدفع فاقدي الملكة والقدرات الذاتية على تقمص ذوات ليست لهم، والسعي لإشهارها بمثل هذه الألقاب.