موجة الاستقالات المتتالية لقيادات عدة في وزارة الصحة خلال فترة زمنية محدودة.. إلى جانب قرارات متتابعة تنقض قرارات وبرامج الوزير السابق.. وبصورة متسارعة.. يشعر معها المتابع أن لا هم للوزارة ولا اهتمام سوى بإلغاء جميع ما اتخذ من قرارات وما نفذ من برامج في السابق!!. كنت أتمنى أن يتريث صاحب القرار في الوزارة قليلا ليتعرف على الوضع ويخضع الأمور للمزيد من الوقت والمزيد من التمحيص.. حتى تتبين له الصورة الحقيقية.. ليقف بناء على دراسة معمقة على ما فيه من فائدة فيستزيد منه ويبني عليه.. وذلك في ظل تحديات كبيرة تواجهها وزارة الصحة مع تردي خدماتها الصحية وارتفاع صوت الشكوى والتذمر من مستواها المتراجع.. قرارات بعد أيام من التعيين ستكون متسرعة بالتأكيد !. إن ما يحدث في وزارة الصحة حاليا يعكس معضلة أزلية تعاني منها المؤسسات الحكومية في الدول النامية.. وتكاد تختفي في الدول المتقدمة.. ألا وهي ظاهرة من يتولى حديثا مهام إدارة مؤسسة ما يوقف العمل بجميع ما أوجده من سبقه بصرف النظر عن جدواه وقيمته وأهميته.. ولا يبدأ من حيث انتهى من سبقه.. بل يبدأ العمل من جديد !!. ولقد أثبتت الدراسات العلمية وأكدت التجارب العملية أن في ذلك هدرا كبيرا في الوقت والجهد وموارد الدول.. والخاسر في النهاية هو المواطن. ذلك أن ما عمله المسؤول السابق استغرق الكثير من الوقت واستنفد الكثير من الجهد والمال.. خاصة عندما يكون ما عمله ناتج عن دراسات علمية شارك في إعدادها خبراء ومؤسسات ذات خبرة عالمية عريقة. لا أخشى على الكفاءات الوطنية التي اضطرت للاستقالة من الوزارة.. فهؤلاء أصحاب مؤشرات عالية في سوق العمل وسوف تتخطفهم المؤسسات والشركات وتتسابق على استقطابهم.. فخروجهم من الوزارة خسارة للوزارة وليس العكس. وإن كان خروج هذا العدد الكبير من القيادات خلال فترة زمنية محدودة من أي مؤسسة كانت سوف تكون له انعكاساته السلبية على مسيرة العمل. ولكنني شعرت بالأسى لنقض وإلغاء مشروعين هامين.. الأول هو مركز (التحكم الوبائي) الذي أنشأه وزير الصحة السابق على غرار مركز الCDC الأمريكي الكبير.. حيث تم إنشاء المركز بالتعاون مع مؤسسات عالمية متخصصة وخبراء دوليين كبار.. وكان للمركز دور هام في التصدي لفيروس كورونا. وجود هذا المركز يعد أمرا هاما جدا لمواجهة الأوبئة التي انتشرت على مستوى العالم.. وعانينا نحن منها كثيرا.. وفي كل حين تظهر أوبئة جديدة -حمانا الله جميعا منها-. لقد كنا منذ زمن نحلم بتأسيس هذا المركز في بلادنا ليكون درعا واقيا هاما في مواجهة الأمراض والأوبئة المعدية. وما زلت أذكر زيارتي لمركز (التحكم الوبائي) الأمريكي الCDC في مدينة أطلانطا بالولايات المتحدةالأمريكية.. حيث وجدته مركزا عملاقا مبهرا بأجهزته وإمكانياته وخبرائه.. وهو مرجع عالمي في الأمراض الوبائية.. وتمنيت حينها أن يكون لدينا مركز مماثلا قريبا منه وليس بالضرورة أن يكون بنفس الحجم. ولقد تحقق ذلك الحلم أخيرا.. ولكن المؤسف صدور قرار يقضي بنقله وإدخاله في دائرة اللجان البيروقراطية داخل أروقة الوزارة العتيقة.. وبالتالي فإن الحلم الذي تحقق ربما يكون في طريقه للتلاشي !!. أما القرار الآخر الذي تم للأسف نقضه وإلغاؤه.. فهو قرار السماح لغير الأطباء ببناء المستشفيات.. هذا القرار أعتبره قرارا مهما بدرجة كبيرة.. وذلك لسببين الأول.. أننا نعاني من نقص شديد في أعداد المستشفيات ومن نقص كبير في أعداد أسرة المستشفيات في وقت تتزايد فيه أعداد السكان بمتوالية هندسية عالية.. ومجرد زيارة لأي مستشفى حكومي أو خاص سوف تبين الزحام الكبير وعدم توفر الأسرة.. يحدث ذلك رغم أن الناس يذهبون للخاص بفلوسهم !!. أما السبب الثاني فهو أن الاستثمار في المجال الصحي في جميع دول العالم مفتوح للجميع بل حتى لغير المواطنين.. وتشجعه السلطات المختصة وتوفر كافة التسهيلات الممكنة له.. يشترطون فقط أن يكون المدير الطبي طبيبا ولكن ليس المالك.. بل يصابون بالدهشة إذا قلت لهم إننا نشترط أن يكون مالك المستشفى طبيبا !! وأود أيضا أن أسأل.. كم طبيبا سعوديا لدينا يستطيع ويرغب في إنشاء مستشفى ؟!. ولذلك فإنني أرى ومن واقع علم وخبرة في المجال أن قرار إلغاء القرار السابق يعد خاطئا وآمل إعادة النظر فيه. كما أن إلغاء التوجه نحو استقطاب الشركات الطبية العالمية لإنشاء مستشفيات عالمية داخل المملكة.. سوف يحرم المواطنين من الخبرات الطبية العالمية. وختاما أكرر رجائي لمعالي وزير الصحة مع تقديري الكبير له أن يتريث قليلا ليمنح ذاته المزيد من الوقت للتعرف على أوضاع الوزارة وأبعاد العمل فيها.. مع التركيز على جهات تقديم الخدمة ألا وهي المستشفيات والمراكز الصحية.. وليس ديوان الوزارة.