حفظ «في الخلف تل من رماد، وسماء تعبق برائحة السنين المحترقة، خلف التل سبعة لصوص، ملامحهم واحدة، يرقصون على شكل دائرة، يتحلقون حول صندوق المسروقات، حيث أجمل أشيائي هناك. يتطاير غبار نعالهم.. يحط على وجهي، على صورتي المعلقة على جدران الوقت. وتحتها جملة من ثلاث كلمات «مطلوب ميتا فقط!!». في نص القاص الفلسطيني عبدالكريم حمادة «مطلوب» نجد أن ذا الوجهين ممقوت على الدوام، إلا أن يكون نصا أدبيا، وجهه مرآة الحاضر، وقفاه سكون ماض حولته الحرائق إلى رماد، يصافحك النص بجملة شاعرية موزونة «في الخلف تل من رماد» يندمج فيها الزمان بالمكان في «زمكنة» سردية مقصودة فريدة من نوعها. تكمل القراءة فإذا أنت في قاعة سينما، والشاشة أمامك تعرض فيلمين دفعة واحدة وفي لحظة واحدة، فيلم بالأسود والأبيض، أبطاله سبعة لصوص ملامحهم واحدة يرقصون رقصة الهنود الحمر حول صندوق مسروقات نفيسة تخص الكاتب. لصوص هم أيام الأسبوع السبعة، يخبطون الأرض بنعالهم فيتطاير الغبار مغطيا وجه السارد وصورته المعلقة على جدران الوقت (محطات عمر الكاتب) وممهورة بجملة مؤكدة مؤلفة من خبر وحال، تشير إلى المبتدأ «السارد» المطوق بإطار لوحة جامدة «مطلوب ميتا فقط» هكذا ينعى الكاتب عمره وهو على قيد الحياة، مقررا أن رأسه مطلوب على الدوام، وأن المكافأة جاهزة وأن صياد الجوائز قد نجح في القبض عليه.. إنه الزمن المتربص بالفلسطيني حيثما حل. أما الفيلم الثاني فنجده ملونا هذه المرة، مكان أحداثه تل من رماد في الخلف أيضا، وسماء عربية تعبق برائحة السنين المحترقة. وخلف التل لصوص سبعة كبار، يرقصون أيضا رقصة الهنود الحمر حول الثروات المنهوبة، فإذا بيكار التل ينفرج وينفرج ليشمل خارطة واسعة بين محيطين. لصوص يخبطون الأنقاض بنعالهم فيتطاير الغبار ويحط على وجه الكاتب وصورته المعلقة على جدران الوقت راسما جملة ناقصة ممهورة بتوقيع السبعة الكبار تشير إلى الفلسطيني «مطلوب ميتا فقط» أن تقرأ قصتين في قصة لهو الإبداع عينه. قصة عبارة عن «كناية» كبيرة حقيقية هذه المرة، وجهها وقفاها واقعيان لا مجاز فيها ولا ترميز. معناها القريب هو الماضي المحترق، ومعناها البعيد هو الواقع الراهن والقرينة الرابطة بين المعنيين: فلسطيني مطلوب ميتا فقط. قصة من السهل الممتنع بعيدة عن أفق المتلقي، رهاناتها تمسنا جميعا. لغة معبرة سهلة بلا تكلف وسلاسة أسلوب لا تعقيد فيه ولا غموض. التصوير المشهدي بلغ مداه في الدقة، ملبسا المشهد ثوبا مطرزا بالحقيقة والمجاز عبر كنايات متلاحقة «تل الرماد - السنين» «اللصوص السبعة - أيام الأسبوع» «يرقصون على شكل دائرة - الساعة». وصف هادئ هدوء رماد ينبعث منه خيط دخان. وسرد حركي يرقص رقصة الموت على وقع أربعة أفعال مضارعة (يرقصون، يتحلقون، يتطاير، يحط) تعلن استمرار المشهد الدامي على أيدي الهنود الحمر هذه المرة بعد أن صاروا حاكمين ظالمين سارقين. سرد مقتضب رباعي الدفع بحسب ما يقتضيه المشهد، يتنقل بك عبر الزمن ويختزل المشهدين. وتخرج من قاعة النص وقد أزكمك الدخان.. تتحسس رقبتك وجلدة رأسك. تتلفت حولك متوجسا ثم تتنهد وتحمد الله تعالى أنك ما زلت بخير.. حتى الآن فقط. ما زلت حيا تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، تنظر إلى الأفق البعيد القريب فترى الرماد متجها إليك؛ رمادا ودخانا يتشكلان أمام وجهك جملة ناقصة صارخة مؤلفة من خبر وحال وأنت فيها المبتدأ. «مطلوب ميتا فقط». عبدالكريم حمادة كاتب نجح في زراعة قلبين في جوف مشهد، ومخرج مبدع تذوقنا برفقة حروفه فيلمين دفعة واحدة.