كتابة الروائي الجزائري واسيني الأعرج في روايته "مملكة الفراشة" تتميز بالعمق الفكري والشعري في وقت واحد. إنه يعرف جيدا ما يود قوله ويقوله بطريقة مؤثرة وموحية تصل أحيانا إلى حد تحمل لنا فيه الفجيعة بهدوء رهيب. لكن قد يؤخذ على هذا العمل الروائي غرقه في تفاصيل معادة. يتكرر كلام كثير، وأفكار تتردد بين فترة وأخرى دون أن تضيف إلى الرواية أي سمة إيجابية، بل كل ما تفعله أنها تسبب شيئا من الملل، وشعورا بين فترة وأخرى بأن ما يقدم إليك عرفته أكثر من مرة، وذلك ليس من أسلوب واسيني الأعرج. جاءت الرواية في 423 صفحة متوسطة القطع، صدرت عن دار الآداب في بيروت. عنوان الرواية على الغلاف هو "مملكة الفراشة"، أما العنوان الداخلي فكان هو نفسه، إلا أنه حمل بعده هذا الكلام "نحن أيضا نحب التانجو ونرقص على جسر الموتى". يتناول الكاتب الحياة التي نتجت عن أهوال الحرب الأهلية الجزائرية، وما خلفته هذه الحرب من آثار في الجزائريين في الوطن والاغتراب. يلخص الكاتب وجهة نظره بكلام كتبه في شبه مقدمة صغيرة تسبق الفصل الأول للرواية. قال: "الحرب ثلاثة أنواع: حرب معلنة ومميتة تحرق وتبيد على مرأى الجميع، وحرب أخيرة هي الحرب الصامتة التي لا أحد يستطيع توصيفها؛ لأنها من غير ضجيج ولا ملامح وعمياء. فالحروب مهما كان نوعها ليست فقط هي ما يحرق حاضرنا، ولكنها أيضا ما يستمر فينا من رماد حتى بعد خمود حرائق الموت في ظل ظلمة عربية تتسع بسرعة الدهشة والخوف". مجموعة أشخاص سبعة وأحيانا ثمانية حاولوا أن ينسوا الحرب الأهلية والبغضاء، فشكلوا الفرقة الموسيقية "ديبو جاز". كانت الموسيقى والفرقة الموسيقية تعويضا لهذه الجماعة عن الوطن. ثمة تعويض آخر جاء بالنسبة إلى "ياما" راوية القصة عبر عالم الإنترنت مع حبيب افتراضي. كانت الراوية تتواصل على الفيسبوك، "كالعادة مع حبيبي فادي أو فاوست". الراوية صارت هنا في وضع يشبه وضع بيجماليون، الذي صار معلقا بين التمثال الذي صنعه أي بين العمل الفني اللامحدود، وبين الإنسان الحي والمحدود الذي بناء على طلب بيجماليون حولت الآلهة التمثال إليه وأعطته الحياة ليعود فيندم بعده على الآخر. إنها معلقة بين صورة فاوست على الإنترنت والمأخوذة من رائعة "جوته" الشهيرة وبين الشخصية الحقيقية أي شخصية عالم الواقع لهذا "الفاوست". الرواية مليئة بالإشارات والاتجاهات الفكرية المختلفة من "جوته" إلى سامويل بيكيت، وكازانتاكي في زوربا، إلى جاك دريدا وما بعد الحداثة، وبكثيرين غيرهم من إشارات إلى أحداث اقتصادية واجتماعية في العالم.