يتوهم بعض الكبار أنهم أكثر فهما وأكبر عقلا من أطفالهم الصغار، أو على الأقل هم أكثر (كياسة) منهم، والكياسة التي أعنيها هي نوع من (اللباقة) المشوبة بقليل من النفاق وهذه النقطة الأخيرة قد تكون صحيحة إلى حد ما لهذا جبلت أنا شخصيا على مراقبة الصغار والإصغاء إليهم بقدر ما أستطيع ليس حبا بهم ولكن لكي أتعلم منهم، ووددت كثيرا لو كنت في مثل براءتهم التي تصل في بعض الأحيان للصراحة العفوية المباشرة التي لا ترحم. وسوف أورد لكم ثلاثة مواقف، اثنان منها كنت شاهدا عليهما. الأول عندما كنت في إسبانيا حاضرا مناسبة محترمة ضمت لفيفا من العائلات منهم الرجال والنساء والأطفال. وإذا بصغيرة لا يتجاوز عمرها عشر سنوات تقطع الصمت وتسأل المرأة المضيفة قائلة لها بصوتها المصرصع: كم عمرك يا (أبله)؟! فزغرتها أمها بعينها المفرصعة، فيما ارتج على المضيفة من هذا السؤال المفاجئ المحرج، ولكنها تمالكت نفسها وأجابتها: إنني في عمر أمك يا حبيبتي. فتنفست الأم الصعداء وكادت أن ترتاح، لولا أن الصغيرة عاجلت المضيفة قائلة بتعجب: غريبة، ولكن ليش باين عليك انك أكبر من سنك بكثير؟!، فانفرجت أسنان المضيفة عن ابتسامة صفراوية مصطنعة، ذكرتني بأسنان (الليث) عندما يبتسم. وموقف آخر عندما ذهبت لتلبية دعوة صديق على الغداء، وبعد أن (تسممنا) وانتهينا وذهبنا إلى الصالون لتناول الشاي ومعنا ابنه الصغير، وفجأة وإذا بنا نسمع (كركبة) صحون تتساقط وتتكسر على أرضية المطبخ القريب، أعقبها صمت مطبق، إلى درجة أنني سمعت طنين الذبابة التي كانت تحوم حول منخار صديقي. وفجأة قفز الصغير (كنزغة ابليس) قائلا لأبيه: أكيد هذه ماما، فسأله والده: كيف عرفت؟!، فأجابه: لأنها سكتت ولم تشتم، أكيد يا بابا لو أنك أنت أو أنا أو الشغالة أحدنا هو الذي فعل ذلك فكيف تكون ردة فعلها؟!، فأجابه والده مصدقا لكلامه: أكيد ساعتها لن تطهرنا ولا حتى كل مياه البحر الأحمر. أما الموقف الثالث فقد رواه أحدهم عندما قال لي: زارتنا عمة لي توفاها الله، مصحوبة بطفلاتها الثلاث، أكبرهن في السادسة من عمرها وشقيقتيها التوأمتين في الخامسة، وحصل أن عمتي سبق لزوجها أن اقترن بامرأة أخرى، وفجأة سألت الطفلة الكبيرة أمها قائلة: تحبين يا (يمه) نغني لك الأغنية اللي إنتي دائما تحبينها؟!، فأسقط بيد عمتي واحسست من نظراتها أنها تريد أن تخرسها، غير أنني سارعت قائلا للصغيرة: هيا، هيا سمعونا، وما صدقوا على الله انني أعطيتهن الضوء الأخضر، وإذا بهن يقفن وينقضن شعورهن ويرقصن ويغنين (كالثلاثي المرح) قائلات: حنا ثلاثة وامنا الرابعة / يا مرت ابونا يا مال الصاقعه انتهى هكذا هم الأطفال (أحباب الله)، الذي في قلوبهم هو على السنتهم.