شارف عاشق صيني على الموت عندما أرسل نفسه في صندوق عبر البريد إلى حبيبته، وأوردت صحيفة الصن البريطانية أن العاشق كاد يختنق ويفارق الحياة بعد ما وضع نفسه في طرد مغلق تماما وأرسله إلى عنوان حبيبته. وقد ضاع الطرد في مكتب البريد لمدة ثلاث ساعات. موضحة أنه عندما وصل الصندوق إلى عنوان الحبيبة فتحته لتصعق برؤية حبيبها فاقد الوعي، فاتصلت بالإسعاف لإنقاذه، وقال العاشق لم أعلم أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا وحاولت ثقب الصندوق ولكنه كان سميكا، كما أنني لم أرغب في إفساد المفاجأة بالصراخ طلبا للنجدة. سلوك هذا العاشق الصيني هو الذي عبر عنه القرآن الكريم (بالشغف) في سورة يوسف، واصفا امرأة العزيز أن نبي الله يوسف قد شغفها حبا في دلالة على أن الحب الشغوف هو أقصى تعبيرات القرآن دلالة على الذوبان عشقا وهياما في المحبوب. يؤكد الفيلسوف الألماني جوته بأن الحب الذي لا ينتهي بمأساة ليس حبا، وعندما سئل نابليون عن الذي يقتل الحب فقال النهاية السعيدة، فالحب ظاهرة قديمة درسها المفكرون وبحث فيها الفلاسفة. ولعل التعريف الأقرب إلى المنطق بأن الحب هو حالة عاطفية مركبة تشمل كيان الإنسان بأكمله جسدا وعقلا وروحا، ممتزجا بعوامل عديدة من اندفاع وانفعال وهوى وعطف ورغبة ومودة وتعاطف ونزوع نحو التضحية في سبيل إسعاد المحبوب ورؤيته. يقول فيلسوف يوناني آخر بأن الحب ليس وحده الحب، ولكن اسمه يخفي في ثناياه أسماء أخرى متعددة إنه الموت والقوة التي لا تحول ولا تزول، وحدد الشاعر العربي الحب بقوله: ولكنه شيء قضى الله أنه ... هو الموت أو شيء من الموت أعنف فأوله سقم وآخره ضنى ... وأوسطه شوق يشف ويتلف وروع وتسهِيد وهم وحسرة ... ووجد على وجد يزيد ويضعف. وقد سأل المأمون ثمامة عن العشق فقال: العشق جليس ممتع وأليف مؤنس وصاحب ملك مسالكه لطيفة ومذاهبه غامضة وأحكامه جائرة، ملك الأبدان وأرواحها والقلوب وخواطرها والعيون ونواظرها والعقول وآراءها، وأعطي عنان طاعتها وقود تصرفها، توارى عن الأبصار مدخله، وعمي في القلوب مسلكه. ولعل تراثنا الذي نقله إلينا العقد الفريد والأغاني ومحاضر الأدباء وغيرهم مليء بأخبار العشاق الذين ذهب الهوى بعقولهم فمنهم قيس بن الملوح الذي أحب ليلى حتى ذهب عقله وهام في الصحارى على وجهه عليه أسمال بالية لا يعقل شيئا مما حوله حتى مات، وقد مر يوما على زوج ليلى وسأله: بربك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها وهل رفت عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في نداها. فقال الزوج إذا حلفتني فنعم، فقبض المجنون بيديه قبضة من الجمر فسقط الجمر مع لحم راحتيه، كما أحب عروة بن حزام ابنة عمه عفراء وعندما تزوجت غيره سقم ونحل جسمه حتى مات. كما اشتهر من العشاق عباس بن الأحنف وذو الرمة الذي عشق مي، وتوبة الخفاجي الذي عشق ليلى الأخيلية ومات بسبب عشقها، كما عشق جميل بثينة وكثير عزة وغيرهم. ولابن الجوزي كتاب تناول فيه أحوال العشق وأهواله يسمى ذم الهوى، وقال الأصمعي لأعرابي صف لنا العشق؟ فقال: جل والله عن أن يرى وخفي عن أبصار الورى فهو في الصدور كامن ككمون النار في الجمر، إن أقدح أورى وإن ترك توارى. وقد صور أبو تمام العشق ولوعته بقوله: سقيم لا يموت ولا يفيق ... قد أقرح جفنه الدمع الطليق. التغزل بالحبيب ووصف محاسنه والشوق إليه كان من سمات العصر الجاهلي فما من قصيدة إلا والمرأة تمسك بنواصيها، يبثون مشاعرهم وما يعانونه من ألم الهجر وشدة الفراق في جمل شعرية جميلة صادقة المعنى غزيرة العاطفة، نقرؤه حتى اليوم فنحس بحلاوته يتكلم بلسان حالنا وما عانوه ونعانيه من وجد وحب وفراق رغم المسافة الزمانية بيننا وبينهم. وكما جنن العشق بعضهم وأشقاه. لم يخل عصرنا من مجانين في حبهم وعشقهم، ففي فرنسا تسلل أحد رؤسائها من قصر الأليزيه ليلا على دراجة نارية متخفيا لزيارة عشيقته الممثلة، وفي هذا دلالة على أن الحب عاطفة إنسانية يتساوى فيها الجميع خلقت مع آدم ونزلت مع حواء. فمن الحب ما قتل، وكم من عاشق أورد نفسه المهالك حتى يحظى ولو بنظرة إلى محبوبته، فالعشق مرتبة بين السحر والجنون، ملك غشوم وسلطان ظلوم: لا تعذلِ المشتاق في أشواقه ... حتى يكون حشاك في أحشائه. وهذا عين العدل حتى لا تلوم عاشقا غير الحب حاله. الحب مثل الهواء والطعام يقيم أود الإنسان يرقرق مشاعره ويهذب عواطفه، فهو قدر محتوم يعمي الحس عن إدراك عيوب المحبوب، فعين الرضى عن كل عيب كليلة، ولقد كتب على ابن آدم حظه منه، وهو رحمة من الله عظيمة كما يقول الفقيه ابن حزم في طوق الحمامة، فرحمتك يا رب!!.