ما أن تقرأ لقصائد وأشعار المحبين والعشاق إلاّ وترثي لحال عشقهم ومعشوقاتهم قبل أن ترثي حالهم التعيس في مكايدة لواهيب الهوى، وعذابات الفراق والجوى، حتى إنك حين تقرأ تجاربهم في الغرام تكاد تجزم أن الحرمان من الوصول للمعشوقة كان سبباً رئيساً في عذوبة شعرهم وقصائدهم، ولا أدل على ذلك إلاّ أشعار قيس بن ذريح قبل زواجه من لبنى وبعد طلاقه منها، كما هي قصائد ابن الملوح في ليلى، وكثير في عزة، وجميل في بثينة، بل ما كان لأبي زريق البغدادي أن يشدو بقصيدته الشهيرة "لا تعذليه فإن العذل يولعه" لو أنه بقي في منزله مع زوجته التي بكا فراقها دماً وهو يقول: أستودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وإني لا أودعه وقس على ذلك أشعار ديك الجن في جاريته التي قتلها بيده ثم راح يبكي وهو يقول: جس الطبيب يدي جهلاً فقلت له إن المحبة في قلبي فخل يدي كان اليأس من الوصول للمحبوبة يتوازى مع فراق الأحبة ولوعة المحبين الذين تجاوز عشقهم حد الجنون إلى أن انتقل إلى حب أهاليهم وديارهم كقول المجنون: أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار أو قول ذلك الأعرابي الذي لا يملك من حطام الدنيا إلا بعيره الذي عز عليه -هو الآخر- أن يرى صاحبه وقد اكتوى من مرارات الهوى دون أن يواسيه بحب ناقة معشوقته من باب التلطف وحسن العزاء حتى باح هذا المحب التعيس بسر بعيره وهو يقول: وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري ولأن الفراق دائماً كان ملهم الشعراء بل سبباً في التعريف بهم والتعرف على حالهم وأحوالهم التي -أبداً- لا تسر الصديق ولا تسعد الحبيب، سيما وقد قال المتنبي يصف حال العشق معه: أرقٌ على أرق ومثلي يأرقُ وجوى يزيد وعبرة تترقرق جهد الصبابة أن تكون كما أرى عين مسهدة وقلب يخفق ما لاح نجمٌ أو ترنم طائرٌ إلا انثنيت ولي فؤاد شيق جربت من نار الهوى ماتنطفي نار الفضا وتكل عما يحرق وعذلت أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق لينتهي الحال بأبي نواس الذي طالما زاحم العشاق على عشقهم يشاركهم أحياناً وأحياناً يسخر منهم وهو يقول: حامل الهوى تعبُ يستخفه الطربُ إن بكا يحق له ليس ما به لعبُ تعجبين من سقمي صحتي هي العجبُ والقارئ لمعظم قصص هؤلاء العشاق يدرك جيداً أن معظمهم انتهى به قطار الحياة دون أن يدرك مناه في الوصول إلى الحبيب والقرب منه.