مدخل : قال إفلاطون :العشق هو : (حركة النفس الفارغة بغير فكرة)،ومن عشق عند العرب ، فلم ينحل جسمه ، ولم يطل سقمه وتباين أفكاره ويزداد سهره ،نسبوه إلى فساد الطبع .. هم بذلك يجعلون للعشق عندهم اهمية بالغة ممزوجة بالصدق الذي يتكئ على روح ذلك العاشق .. وعند العرب في نفس الوقت أن من عشق ، فلم ينحل جسمه ، ويطل سقمه ويزداد سهره فإنهم ،ينسبوه إلى فساد الطبع ، وبعد الفهم ، وموت القلب .. يقول الشاعرالأحوص الأنصاري : ما عالج الناس مثل الحب من سقم ولابرى مثله عظماً ولا جسدا مايلبث الحب أن تبدو شواهده من المحب وإن لم يبده أبدا وهنا تتجلى أبعاد العشق لدى الشخص العاشق،من خلال ماينتابه من ألم وسقم فهذا هو العشق يأخذ من الشخص مكاناً .. إن العشق لايتصف به إلا من تكون طباعهم رقيقة وأرواحهم متآلفة ويذكر ان ابن نوفل سئل مرة : هل يسلم احد من العشق, فقال: نعم, الجلف الجافي الذي لا فضل له ولا عنده فهم, اما من في طبعه ادنى ظرف, او معه دماثة اهل الحجاز, وظرف اهل العراق فهيهات . ويذكر ابن قتيبة في الشعر والشعراء, ان قلوب العشاق رقيقة كأنها قلوب الطير تنماث كما ينماث الملح في الماء, وهم ينظرون الى جمال محاجر اعين لا ينظر اليها الاخرون, ويستجيبون للحب استجابة لا يقدر عليها غيرهم, واستجابتهم للحب وسلوكهم حيال المرأة وتعبيرهم عن مشاعرهم, كلها امور يفضلون بها ويتفاخرون بها فيما بينهم. ويورد السراج في (مصارع العشاق) قول حكيم لتلاميذه: اعشقوا, فإن العشق يطلق اللسان العيي, ويفتح حيلة البليد, ويبعث على التنظيف وتحسن اللباس, وتطيب المطعم, ويدعو الى الحركة والذكاء وتشريف الهمة, وإياكم والحرامة. ومن هنا نجد ما للعشق من أهمية عند العرب منذ القدم،ولذلك فإن أغلبهم مضوا بعواطفهم إلى اختراق الخط الأحمر الذي يفصل بين العقل والجنون, ورغم ذلك فقد سجلوا حضوراً صاخباً في التاريخ, ومن هؤلاء, جميل بن معمر الملقب بإمام المحبين, قيس بن الملوح مجنون ليلى- عروة بن حزام صاحب عفراء, وقيس بن ذريح صاحب لبنى, وابن زيدون صاحب ولاّدة, وكثير عزة, وعباس بن الأحنف وغيرهم. وكثيرمن الشعراء قد وصف حال العاشقين في قصائده،يقول الشاعر أبو السائب المخزومي : ياهجر كف عن الهوى ودع الهوى للعاشقين يطيب يا هجر ماذا تريد من الذين جفونهم قرحى وحشو صدورهم جمر وسوابق العبرات فوق خدودهم هطلا ً تلوح كأنها القطر صرعى عل جسر الهوى لشقائهم بنفوسهم يتلاعب الدهر يصف هنا ما يصيب العاشق من جراء الهجر ، إذ إن الهجر من أخطر مايصيب العاشق ، فعندما تهجر الحبيبة عشيقها ،فهو ينال الألم والتفكير والتعب والبكاء. وبما أن العشق والحب فيه مرارة ونكد وألم وتعب وحسرات وكمد،إلا أنه مستعذب عن العاشق،ومحبب عن أصحابه،لأنهم يعيشون لذته بكل ما به من تعب وآهات ،يقول أحد الشعراء: ما كيس في الناس يحمد رأيه فيوجد إلا وهو في الحب احمق ومامن فتى ً ما ذاق بؤس معيشة من الدهر إلا ذاقها حين يعشق ويظل العشق هو مايشغل العربي منذ القدم،فبه يتلذذ وبه يستأنس، فمحبوبته تلك هي من أخذت منه فكره وليله وشعره وآهاته،ولذلك نجد أن شعراءنا القدامى قد أبدعوا في معنى العشق وتفننوا في وصفه بأعذب قصائدهم ورقة معانيهم أخذ منهم العشق والهيام مكاناً كبيراً وحيزاً واسعاً ، فهذا الشاعر المبدع محسن الهزاني في قصيدة الرائعة يبث عشقه وهيامه حيث يقول : قالوا تتوب من الهوى قلت لا لا الا ان تتوب رماح علوى عن الزرق قالوا تتوب من الهوى قلت لالا الا ان يتوبون الحناشل عن السرق قالوا تتوب عن الهوى قلت لالا الا ان تتوب الشمس عن مطلع الشرق وهنا تأصيل حقيقي للشاعر عن مدى إرتباطه بذلك العشق الذي يتجلى في ابياته والذي يتضح في مشاعره تجاه تلك المحبوبة. ويقول الشاعر / عبدالله بن سبيل : قالوا ندور لك من البيض حلياه قلت آه لو غيره بكفي رميته قالوا نشاش العُود مالك بلاماه قلت آه عُود الموز بيدي لويته غرق هنا الشاعر في بحر عشقه بمحبوبته ، وإلا لما جاء بهكذا وصف عميق ، وهذا بلاشك ناتج عن مدى تأثره بالعشق والهيام الذي يتضح بأنه أخذ منه الشيء الكثير والكثير . ويقول المبدع محمد ابن لعبون : أهلى يلوموني ولايدرون والنار تحرق رجل واطيها لا تطري الفرقى على المحزون ما أدانى الفرقى وطاريها اربع بناجر فى يد المجمول توه ضحي العيد شاريها انا اشهد انه كامل ومزيون مثل البدر سنا الليل شارع فيها يا من يياصرني أنا مفتون روحي ترى فيها الذي فيها محمد بن لعبون كماعرف عنه شاعر عاشق يمتاز بالرومانسية ، ولذلك نجد أنه في أغلب قصائده صورة العشق التي تتكئ على روعة المفردات ولذلك فإنه يُعد من المبدعين في الشعر الوصفي الذي يحاكي الوجدان وبروح الهيام. وعلى أننا دائماً وفي فضاء الذائقة القرائية ، نبحث عن كل ما يجعلنا نُبحر في مشاهد العشق التي يصورها الشعراء،إلا أننا وفي نفس الوقت نجد أن هناك تفاوتاً بين شاعر وآخر في طريقة كتابته لقصائد العشق. الشاعر الفذ / محمد السديري يقول : دمع تكبه عين عاشق ومشتاق ارعد سماها بالغضب ومطر الموق محدن رحمني يوم الاقدار غراق منجور دمعات تكسر بصندوق صدر من الفرقاء رمع فيه دقاق ووجس معاليق الحشا يشعلن فوق فاذا بغيت ادله تذكرت الافراق طفلا على شل المعاليق مطفوق صورة عذبه تنم عن عشق متغلغل في قلب الشاعرالذي يشتكي عشقه بالدموع التي يذرفها،وهذا بالطبع دليل على مدى عشقه وحبه لمحبوبته. وبعد : يبقى العشق هو مايشغل بال الشعراء الذين طالما تفننوا في الكتابه له بأحاسيسهم ووجدانهم وخصوصاً الشعراء القدامى الذين كان لبيئتهم دور كبير في إبداعهم الشعري.