الغذاء والتعليم والصحة والسكن من أساسيات احتياجات الشعوب، وأحمد الله أن هذه المتطلبات الأساسية هي من أولويات القيادة السعودية تجاه شعبها، والتعليم والصحة والسكن اللائق تمثل الجزء الأكبر من ميزانية الدولة خلال السنوات الماضية، كما أن توفير الغذاء يعتبر على قائمة الأولويات، ولقد انتشر التعليم العام والجامعي في جميع مناطق ومدن وقرى المملكة، وتطورت آليات التعليم ووسائله رغم الصعوبات التي واجهته في الماضي كان منها ماليا والآخر إجرائيا، إلا أن في السنوات الأخيرة حقق التعليم وبصفة عامة (تعليم عالي وعام) قفزات كبيرة في شمولية التعليم وتطوير الدراسة ووسائلها، وعلى رأسها تطوير المناهج ورفع مستوى المعلم وتطوير المباني المدرسية، وأجزم أن السنوات القادمة ستكون هناك نقلات حضارية في تطوير التعليم العام يقودها سمو الأمير خالد الفيصل، ولن نغفل التطورات العظيمة التي طرأت على التعليم الجامعي وتضاعف عدد الجامعات الحكومية وفتح المجال للجامعات والكليات الجامعية الأهلية للمشاركة في الرسالة الجامعية وفق ضوابط وشروط للجودة الأكاديمية تضمن الحفاظ على مستوى التعليم الجامعي، ويعتبر الابتعاث من خلال بعثات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله من أنجح الخطط التعليمية والثقافية التي أخذتها حكومة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، ويعتبر قرار خادم الحرمين الشريفين لتمديد الابتعاث الخارجي لتخصصات محددة لمدة خمس سنوات قادمة والتركيز على الدراسات العليا وتخصصات الطب والهندسة والعلوم وإدارة الأعمال حسب احتياجات سوق العمل، يعتبر قرارا حكيما له بعد استراتيجي على المدى القصير والبعيد. وسيكون له انعكاسات إيجابية على التنمية، كما أن فتح الباب للمنح الداخلية للدراسة في الكليات والجامعات الأهلية للطلاب والطالبات السعوديين كان له أثر كبير في ربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل والإحصائيات الخاصة بتوظيف مخرجات التعليم الجامعي الأهلي أكبر دليل على نجاح التعليم الجامعي الأهلي في تحقيق أهدافه، حيث وصلت مدة الانتظار للتوظيف بعد التخرج في بعض الجامعات والكليات الأهلية إلى (صفر)، أي يتم التعاقد وظيفيا بالخريجين قبل حصولهم على الدرجة العلمية في الفصل الدراسي التدريبي الأخير، ورغم هذه النتائج الإيجابية تطالب إحدى الوزارات المعنية بإلغاء ووقف المنح الداخلية للجامعات والكليات الجامعية الأهلية، وذلك بحجة ارتفاع تكلفة المنح الداخلية وتأثيرها على ميزانية الدولة. ويتعدى الأمر إلى أكثر من اقتراح إلى تشكيل لجنة عاجلة لرفع التوصية لوقف المنح رغم معارضة وزارة التعليم العالي لهذا الاقتراح، ولها في ذلك مبررات عديدة وهي الوزارة المعنية بالتعليم العالي. وبعد دراسة أولية للتكاليف، أظهرت النتائج أن تكلفة دراسة الطالب في كليات الطب الحكومية في المملكة تساوي 120 ألف ريال سعودي سنويا، وتكلفة الطالب السعودي في كليات الطب خارج المملكة 350 ألف ريال، وتكلفة طالب المنحة الدراسية الحكومية في كليات الطب الجامعية الأهلية في المملكة 70 ألف ريال، وتقدر تكلفة طالب إدارة الأعمال في الجامعات الحكومية حوالى 100 ألف ريال سنويا، وفي الجامعات الدولية خارج المملكة 200 ألف ريال، وتكلفة دراسة نفس الطالب في إحدى الكليات الجامعية الأهلية حوالى 40 ألف ريال، ودون الدخول إلى تحليل تكاليف لبقية التخصصات العلمية، إلا أن النتيجة تؤكد أنه لو كان القرار الخاص بوقف المنح الداخلية من زاوية اقتصادية، فإن نتائج مقارنة التكاليف في صالح المنح الداخلية في الجامعات والكليات الجامعية الأهلية، وقد يكون اقتصاديا لميزانية الدولة مضاعفة عدد المنح الدراسية للطلاب السعوديين في الجامعات الأهلية؛ لأن تكلفة الدراسة في الجامعات الحكومية عالٍ، وفي الابتعاث أعلى بكثير، وإذا أخذنا القرار من حيث جودة التعليم، فإن عدد الكليات الجامعية الأهلية الحاصلة على شهادات الجودة العلمية من هيئة الاعتماد الأكاديمية الجامعية السعودية أكبر من الكليات الحكومية، إن التوصية بوقف المنح الدراسية الجامعية للشباب السعوديين في الجامعات الأهلية يعتبر كارثة على 50 ألف طالب وطالبة يدرسون حاليا أو مستقبلا في الجامعات والكليات، أو هناك حوالى 20 ألف طالب وطالبة من الأيتام والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة يحصلون على منح دراسية حكومية، وهناك حوالى 130 ألف طالب وطالبة سعوديين يدرسون في الخارج، منهم حوالى 88 ألف طالب وطالبة يحصلون على بعثات خادم الحرمين الشريفين، وهناك حوالى 50 ألف طالب سعودي مستهدف ابتعاثهم بقرار تمديد بعثات خادم الحرمين إلى عام 2020م سيدرسون في حوالى 500 جامعة حول العالم، و70% من مجالات التخصص في الدفعة الجديدة ستكون في مجالات إدارة الأعمال والهندسة وتكنولوجيا المعلومات والطب. وهذا ما يدفعني اليوم لطرح سؤالي لأصحاب الاقتراح بوقف المنح الدراسية الجامعية الداخلية للشباب والشابات السعوديين، وهو (هل هذا هو التوجه الصحيح لدعم الشباب؟) رغم حرص القيادة السعودية على تعليم مواطنيها والشباب منهم على وجه الخصوص.. وإذا كان هناك توجه لترشيد الإنفاق نظرا لانخفاض أسعار البترول، فليكن الترشيد في غير التعليم والصحة، فهما من الأساسيات لحياة الشعوب، ومنهم الشباب.