أصبحت الإدارة العامة أقرب إلى الكتل الإسمنتية ببيروقراطيتها وترهلاتها وشحوم الروتين بهياكلها مما يعرض الخدمات والأداء والإنتاجية لكثير من التصلب والانسداد في شرايينها وهذا ما يعرقل ويحول دون القرارات المناسبة وعن الفعل المناسب وعن العاملين المناسبين. إن القدامى في الإدارة الحكومية يقفون بكل بسالة وراء الروتين والبيروقراطيات والإجراءات المطولة ليمنعوا الفعل ويحولوا دون النجاح والناجحين ويناصبوا الإبداع العداء، إنهم يناضلون ضد العمل الإداري وضد التطوير، وحتى ضد التقنية الحديثة كي لا تتمكن من اختراق تحصيناتهم. إنهم كائنات إدارية تتحصن بأعشاش من الأنظمة وثغراتها، ولا يمكن الوصول لها إلا بزلزال رقابي من خارج الجهاز الحكومي يملك الصلاحيات اللازمة لاقتحام عش الدبابير وتسريح عتاولة، أعداء الفعل. فلا التقنية ومنتجاتها الحديثة تحل مشكلة الإدارة الحكومية ولا الكوادر البشرية المؤهلة تأهيلا عاليا في برامج الابتعاث المرموقة تحرك ساكنا ولا برامج التدريب الحديثة للموظفين في المراكز العالمية المرموقة تقدم حلا ولا فعالية الوزراء تنتشل الفعل من أسر البيروقراطية، ولا مشروعات التنمية تقوض ثقافة الروتين. حتى التغيير الرأسي لا يخترق التحصينات الفعلية لأعشاش الدبابير، فإدارات الشؤون الإدارية والمالية هي منطقة غالبا مرتع خصب في تعطيل قرارات النهوض بالخدمات التي تقدمها. إنها منطقة إدارية بأقسامها وتفريعاتها التنظيمية من مشتريات ومحاسبة وشؤون موظفين هي من يملك مفاصل القرار الإداري والمالي والفني بدرجة تفوق 80 % من حجم القرارات في الجهاز الحكومي.. إن ما تملكه إدارات الشؤون الإدارية والمالية من ممانعة يفوق بكثير ما تملكه الإدارات العليا من إرادة للفعل فهي التي تملك تعطيل أي إرادة وأي رؤية أو قرار وذلك عندما تتكسر على صخرة مصالحها وعدم رغبتها كل الرؤى والرغبات والقرارات الصادرة من الإدارة العليا. ومن هنا يمكن القول بأن من يقود الفعل في تلك الجهات هو القرار هم قدماء الإداريين. في الشؤون الإدارية والمالية، تتم معالجة القرارات المالية والإدارية والفنية من تعميدات وترسية مناقصات وترقيات وتعيينات وانتدابات وتنقلات ومكافآت وتزكيات وترشيحات وتوصيات. هنا تسمح بنود الميزانية أو لا تسمح حسبما تقتضيه المصالح. هنا وفي دهاليز الشؤون الإدارية والمالية، تتخذ القرارات التي تؤثر في حياة ليس الجهاز والعاملين به فحسب، بل تؤثر فينا نحن بشكل يومي حتى وإن كنا لا نعمل في تلك الأجهزة. هناك عمل مضنٍ وطويل يجب القيام به كي تعود المؤسسة الحكومية إلى دورها، فكل الإدارات الحكومية تحتاج لعلاج للقاحات ضد فيروسات تعطيل الفعل، وإعاقة العمل والإنتاجية والتنمية، لتعود الإدارة فتكون في ناصية التنمية وليس خلفها. والدليل على ما سبق هو الطريقة المختلفة التي يعمل بها الجهاز الحكومي أثناء فترة الحج. إن الجهاز الحكومي بقطاعاته وأقسامه يتفانى ويتجلى بأداء ما عليه من واجبات بإجراءات سهلة غير معقدة، وبطريقة متحررة من البيروقراطيات والعقول الإدارية التي تبني وجاهتها وقيمتها وأهميتها من خلال إرادة المنع وعدم الفعل. إنني أنادي من هنا بتعميم تجربة الحج الإدارية على الجهاز الحكومي في الظروف العادية، وأن تتم الاستفادة القصوى من تجربة الحج في الجهاز الحكومي والأنظمة الحكومية والإجراءات الحكومية.