لو تحدّثت مع مجموعة من الناس لوجدت أنّ هناك ما يشبه الإجماع على النفور عند قراءة وسماع مجموعة من الكلمات المتداولة في القطاع الحكومي كونها باتت تصيب سامعها وقارئها بالإحباط والاكتئاب. وحين تبحث عن أسباب هذا النفور العام تجد أنّه ليس لقبح تراكيب هذه الكلمات ولا شناعة لفظها، بل إن بعضها كلمات رنّانات ولكن "مرمطتها" بين يدي موظفين بيروقراطيين في بعض الدوائر الرسميّة جعلها أذى للسمع والبصر. وسأورد منها هنا عشر كلمات شكّلت بعض هذه القناعة وهي: 1- كلمة "لجنة"، والتي أصبحت مطيّة عرجاء للروتين الحكومي وتعطيل القرار وربما تبرير "الانتدابات" والسفريات التي لا تنتهي في معظمها إلى نتيجة. 2- "التنسيق"، وهذه الكلمة على كثرة ترديدها في دوائر الأجهزة الخدميّة ومسؤوليها إلا ان تطبيقاتها تعطي عكس مدلولها كتسمية العرب للأعمى "البصير" وللمريض "السليم". 3- "الشفافية"، هذه الكلمة "المتفرنجة" اخترقت عقول وشفاه المسؤولين حتى وصلنا إلى مرحلة أنه كلما زاد معدل تداولها تزايدت "توجسات" المشفقين مما قد يجري وراءها من "هندسة" لجعل الكلمة بلا نكهة. 4- "الاستراتيجيّة" فحينما ترد في خطاب مسؤول فينبغي أن تعني وجود مخطط علمي إداري لما ينبغي أن يكون عليه مستقبل العمل، ولكنها في كثير من التطبيقات الإداريّة دلت على جملة تحديات أو مثاليات لا تنفذ حتى يأتي المدير الجديد باستراتيجيته جديدة!! 5- "التوجيهات" وهي كلمة جميلة تعني أن مسؤولا إداريا اعلى أعطى أوامر لمن يرأسهم بضرورة تخطي الروتين والمرونة في إعطاء الحقوق وأداء الواجبات ولكن نظرة عجلى على نتيجة "توجيهات" هذا المسؤول لإنهاء شكاوى عمرها عشرات السنين تعطيها معنى" تعطيلات". 6- "المصلحة" وتأتي هذه الكلمة مؤذية بشكل كبير حينما تقترن بكلمة "العامة" ثم تكتشف بعد برهة أن "المصلحة العامة" هذه عند بعض المسؤولين تعني تمرير قرار "مصلحي" للمصلحة العامة إذ أنها كلمة "كريمة" تسمح لكل بيروقراطي أن يفسّرها بحسب "مصلحته" ورؤيته. 7- "اللوائح" وهذه الكلمة الخشبيّة (بحسب قربها من كلمة "لوح") هي فعلا "عصا" بيروقراطيّة يرفعها الموظفون من أخمص أرشيف الإدارة الحكوميّة حتى رأس المصلحة الحكوميّة في وجه كل محتج. 8- "المعاملات" ومفردها معاملة، والعجيب أن إيحاء هذه الكلمة فيه نقاء الأثر القائل "الدين المعاملة" ولكنها عند ممتهني البيروقراطيّة تعني تحويل المواطن من "مستفيد" إلى "مراجع" يدور حول أسوار الدائرة الحكوميّة حتى تتورّم قدماه. 9- "الإجراءات" ومعناها العلمي سلسلة العمليات الإداريّة التي تمر بها "المعاملة" حتى تصل إلى "إجراء" أخير يحسم القضيّة. ولكن المتأمل للدورة "الإجراءاتيّة" يجد مجموعة دوائر متداخلة تحتاج بذاتها إلى "إجراء" "واسطة" لتخرج سليمة معافاة. 10- "اجتماع" وتعني جمع المتخصصين والمعنيين لسماع الرأي والمشورة، ولكنها عند كثيرين "مجلس" استعراض "عبقريّة" المدير الحكومي، أو وسيلة إشغال أكثر من موظف عن واجب خدمة الناس. ** مسارات: قال ومضى: قد تكون الحقيقة مُرّة، ولكن تذكّر أن أنجع علاج لا يخلو من مرارة.