عندما أعلنت وزارة الثقافة التونسية مساء الجمعة وفاة الموسيقار التونسي الكبير صالح المهدي الكبير الذي ناله شيء من لقب زرياب الذي طالما أطلقه النقاد والمحبون للموسيقى على كبار الموسيقيين العرب اعترافا بمكانة زرياب الذي أضاف الوتر الخامس على آلة العود في الأندلس، رحيل صالح مهدي الذي جاء بعد 89 شكلت عمره ومسيرته الحافلة في عالم الفن والموسيقى في تونس والعالم العربي صالح المهدي الذي كان من الأكاديميين الموسيقيين العرب القلائل الذي أثقل عمره في هذا المجال ليعلمنا من خلال برامجه التلفزيونية منذ سبعينيات القرن الماضي، بما في ذلك تلفزيوننا السعودي يعلمنا كيف هي قواعد الغناء والموسيقى من خلال حروفها السبعة بتأكيده ومتابعته لمحبي الموسيقى أن تعلمها لمحبيها وموهوبيها ليس صعبا وأنها تتكون فقط من حروفها السبعة «صول، لا، سي، دو، ري، مي، فا» وهو يرسم ويشرح على سبورة برنامجه ليجعل منا كثيرين محبين لعلم الموسيقى والغناء حتى لو لم نكن إلا مجرد مستمعين جيدين فقط. ولعل صداقته مع شاعرنا الكبير الذي عشق تونس وعاش فيها ونظم قصائد مجموعته الخضراء فيها طاهر زمخشري كان سببا في تعامل الراحل صالح المهدي معنا تلفزيونيا وعبر جمعية الثقافة والفنون أيضا في زياراته إلينا هنا في المملكة. تعرفنا عليه موسيقارا كبيرا وعلى مجايليه مثل أبوبكر المولدي مايسترو جوقة الإذاعة في تونس الذي رحل عن دنيانا قبله لنتعرف على فنون وموسيقى تونس وتعرفنا على أصوات تونس العظيمة مثل المطربة صليحة من خلال ألحان المهدي لها رحمه الله. وقالت وزارة الثقافة التونسية في بيانها البارحة الأولى ببالغ الحزن والأسى تنعى وزارة الثقافة فقيد الساحة الفنية مؤسس الفرقة القومية للفنون الشعبية والاوركيسترا السمفوني التونسي الموسيقار الدكتور صالح المهدي، وولد صالح بن عبدالرحمن بن محمد المهدي الشريف في التاسع من فبراير 1925 في تونس العاصمة في عائلة فنية، إذ كان لوالده مجلس للفنانين ودرس المالوف - موسيقى أندلسية والموشحات - لفرقة الرشيدية وإذاعة تونس. وبدأ مشواره الموسيقي بالعزف على الناي قبل أن ينتمي إلى جمعية الكوكب التمثيلي التي ترأسها العام 1949، كما ترأس فرقة الرشيدية ويعتبر من أبرز الموسيقيين التونسيين في القرن العشرين بعد أن جمع بين العزف والتلحين والدراسة والأداء. وألف زرياب تونس -كما أسمته الوزارة- العديد من الموشحات الشرقية والأغاني التونسية المشهورة وتعلم على يديه كثير من الموسيقيين والمطربين في تونس أبرزهم الفنانتان علية ونعمة، كما لحن لأغلب المطربين والمطربات في تونس وأبرزهم الفنانة صليحة. وفي العام 1962 أسس المهدي الفرقة القومية للفنون الشعبية. كما كان الراحل عضوا في الهيئة التنفيذية للمنظمة الإسلامية للتاريخ والثقافة والفنون والهيئة العليا للحضارة الإسلامية والمجلس الدولي للموسيقى، كما كان وراء تأسيس المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية، ثم أسس في نطاق «اليونسكو» المؤسسة الدولية للفنون الشعبية كما انتخب عضوا بمجلس إدارة المؤسسة الإسلامية للأدب والفن والثقافة باسطنبول وكان رئيسا مساعدا في مؤسسات ثقافية دولية أخرى عدة. بدأ الراحل دراسته بالكتاب ثم التحق بمدرسة الجمعية الخيرية، وأخيرا جامع الزيتونة حتى أحرز شهادة التحصيل. والتحق سنة 1951 بسلك القضاء. ونظرا لحساسية خطته، تخصص في هذه الفترة على التلحين، واستمر في القضاء إلى سنة 1957، ليلتحق بعد ذلك، وبطلب من الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بوزارة التربية القومية ووزارة الثقافة التونسية. يلقب بالدكتور صالح المهدي، على أساس أنه حصل على شهادة الدكتوراة في الموزيكولوجيا من جامعة بواتيي الفرنسية، ويعرف عنه أنه كان مكتبة موسيقية متنقلة بما كان يحمله من ثقافة وعلوم ومعارف في التراث الموسيقي العربي والأندلسي والإنساني وبفنون العزف والغناء والتلحين والترقيم الموسيقي وعلوم الآلات وخصوصياتها. كما أنه كان ناشطا في الحركة الكشفية، وكان يقدم للكشافين حصة أناشيد أسبوعية. وانتمى إلى جمعية الكوكب التمثيلي إلى أن ترأسها سنة 1949. كما ترأس فرقة المعهد الموسيقي للموسيقى التونسية. وللراحل نحو 700 لحن لعل من أبرزها النشيد الرسمي التونسي «ألا خلدي» الذي تم اعتماده في فترة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (1958/1987) و«نشيد العروبة» الذي لحنه بمناسبة الذكرى الثانية لتأسيس الجامعة العربية سنة 1947، وله أيضا عدد من الموشحات والأغاني المختلفة، ولعل من أشهر أعماله أيضا: أغنية «يا خيل سالم، دار الفلك» للمطربة صليحة، ومن الأناشيد الكشفية التي لحنها «الأوطان، تركنا الفلاة، هيا للميدان، يا شبابا». وله العديد من المؤلفات منها «الموسيقى العربية في نموها وتطورها، دار الشرق العربي، دمشق 2003، الموسيقى العربية ومسيرتها المتواصلة، دار الشرق العربي، دمشق 2003، الموسيقى العربية مقامات ودراسات (صور وتمارين موسيقية)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993.