كان هناك رجل محتال يطوف بين التجار في الأسواق ويشجعهم على أن يتبرعوا للفقراء والمساكين، إلا أنه ظل يستولي على كل تلك العطايا دون أن يصل منها شيء إلى مستحقيها، حيث كان التجار يعطونه ولا يسألونه عن مصير الأموال، حتى ذهب ذات يوم إلى تاجر كبير كان قد حل بالبلدة منذ أيام فروى له القصص والأخبار وطلب منه التبرع للأرامل والأيتام، فرحب التاجر بالفكرة، ولكنه اشترط لبذل المال أن يحلف له بأنه قد منحه لمستحقيه، فتهلل وجه الرجل فرحا واستعد للحلف على أن يكون ذلك بعد توزيعه لكافة العطايا !؟ سلم التاجر صرة من الدنانير إلى الرجل الذي أخذها فرحا بنجاح خطته وأخذ يفكر في حيلة يمكنه من خلالها الحلف دون أن يصيبه مكروه من القسم الكذب، وجاءته فكرة خبيثة تتمثل في أخذ زوجته وطفليه إلى صحراء قافرة (حيث لا أحد يراهم) وطلب منهم خلع ثيابهم في الحال، وعندها سلم الرجل صرة النقود لها ولأطفالها، وفي اليوم التالي ذهب الرجل إلى التاجر الذي أعطاه المال وسلم عليه وحلف اليمين قائلا: ها أنا أقسم برب السماء أن مالك قد ذهب إلى عائلة في العراء ليس لديهم بيت أو طعام أو كساء !!. يقال بأن هذه القصة القديمة هي أصل المثل الشعبي المعروف ( قالوا للحرامي احلف قال جاني الفرج)، ويقال بأن هذا الإنسان المحتال ذا النفس المريضة لايزال يعيش بيننا حتى اليوم في صور مختلفة وأساليب متنوعة غالبا ما تنتهي بفرجه حين يطلب منه حلف اليمين، ومع أن هناك تطورا مهولا في وسائل التقنية يمكن بها ومعها دعم موقف صاحب المال الذي استولى عليه ذلك الحرامي أو الذي يطالب به دون وجه حق، مثل الرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية والحوالات البنكية التي يمكن الرجوع للهيئات العليا القائمة عليها للتأكد من دقة تواريخها وصحة ما ورد فيها، إلا أن الحلف يظل سيد الموقف والحرامي غالبا هو الرابح الأكبر !؟ قبل أيام اتصلت بي سيدة أعمال معروفة، كانت متذمرة وتتحدث من معاناة كبيرة، بعد أن صدر بحقها حكم يقضي بإلزامها بسداد ربع مليون ريال لسيدة ادعت عليها بأنها لم توفها حقها، في حين أبرزت سيدة الأعمال (فيشة إيداع) إلى حساب السيدة بكامل المبلغ المدعى به، لكن المدعية أوهمت عدالة المحكمة بأن الحوالة مقابل أعمال أخرى (دون أن تثبت صحة كلامها) وحين طلب منها الحلف تهلل وجهها فرحا (من وراء حجاب) وأقسمت بالله العظيم، ولكن أحدا لا يعرف أي حيلة شيطانية ابتكرتها لتوهم نفسها بأنه لن يصيبها مكروه جراء اليمين الكاذبة !!. لم يعد الأمر مهيبا، حين يقف الشخص بالمجلس الشرعي ليؤدي اليمين، حتى عندما يكرر عليه القاضي بأن اليمين الغموس تعني بأنه سيغمس في النار إن هو كذب على الله، ذلك أن هناك قلوبا قست كالحجارة ومغريات الحياة أصبحت لا تقاوم، وإذا كان ولا بد من أخذ اليمين تماشيا مع القاعدة الشرعية، فليكن ذلك بوضع المصحف الكريم أمامه، وأن يطلب منه الوضوء قبل ذلك، وأن يفهم بأن (الحلف على نية المستحلف) لعل هذا الإجراء يزيد من هيبة المكان ويكون الحلف نقمة على المجرمين وفرجا وملاذا آمنا للمظلومين.