رأيتها جاثمة على أرض مطار الملك عبد العزيز الدولي متألقة بشعارنا الوطني. وبدت وكأنها جديدة علما بأن عمرها يضاهي عمري تقريبا. والواضح أن درجة الاهتمام بها وبأخوتها جعلها تتألق بهذا الشكل. ولهذا الطراز من الطائرات قصة جميلة نبدؤها بشكلها. إحدى القواعد الجميلة في عالم الطيران هي أن الطائرة الجميلة سيكون طيرانها جميلا. أي أن التصميم المميز لشكل الطائرة ينعكس عادة على أدائها. ولكن هناك استثناءات لهذه القاعدة وأهمها تنعكس في إحدى أنجح الطائرات في عالم النقل الجوي وهي طائرة السي 130 الشهيرة باسم «هرقل». C130 Hercules من إنتاج شركة «لوكهيد» الأمريكية. وجميع الطائرات التي تجد أمام طرازها حرف C ترمز إلى كلمة Cargo وبالتالي فهي طائرة شحن. وهذه بالذات كانت سابقة لأوانها فقد تم تشغيلها عام 1954م يعني ما قبل انتشار الراديو المحمول، والتلفزيون الملون، والفيمتو. وعندما قدمت لمجتمع الطيران كانت ولاتزال من أغرب الأشكال فهي ذات جسم عريض جدا نسبة إلى أجنحتها الصغيرة. يعني مصطلح «الدبة» ينطبق عليها بدقة. وفي مقدمتها ستجد أغرب أنف على أية طائرة فكأن الشركة نسيته وأحضرته بعد الإنتاج لتثبته في أمام الطائرة. وعلى الأرض تبدو وكأنها من الزواحف لأن عجلاتها تكاد أن تكون مخفية، وجسمها قريب جدا من المدرج. وعندما تقلع لا ترفع رأسها إلى الأعلى مثل معظم الطائرات وكأنها مستعدة للنطح. وتذكرني بقصص «تيس القرارة» الأسطوري في حارات مكة التاريخية الذي يحكى عنه حبه لهذه الحركات. الشاهد أن كل هذه الصفات لا تعكس جمال الطائرة الحقيقي وهو فعاليتها في النقل سواء كان للبضائع أو البشر. والأدلة كثيرة على ذلك: أولا استمر إنتاجها بشكل مستمر لفترة ستين سنة وهذه حالة استثنائية فريدة ليس في عالم الطيران فحسب ولكن في عالم المركبات بشكل عام. والدليل الثاني هو الطرازات المختلفة منها التي تخدم في أكثر من ستين دولة حول العالم منذ فترة إنتاجها حتى اليوم. والدليل الثالث هو أن منافسيها لا يتمتعون بنفس الفاعلية وبالتالي فلن تجد منافسين جادين لها. فلديها القدرة بمشيئة الله لحمل حوالى عشرين طنا أو حوالى تسعين شخصا واستخدام المدرجات القصيرة جدا، بل وغير المعبدة أيضا. وتستطيع تغطية المسافة من جدة إلى باريس بدون مشكلات. ومن الطرائف أنها من الطائرات الفريدة التي شاركت في حروب من الطرفين المتنازعين وتحديدا فكانت تخدم القوات الملكية البريطانية والقوات الأرجنتينية خلال حرب الفولكلاندز في 1982. أكرر ما ذكرته مسبقا أن القوات الجوية الملكية السعودية فريدة في مبادراتها التاريخية الرائدة. كانت الأولى في المنطقة في الحصول على التقنيات المتقدمة حتى قبل أن يرزقنا الله بنعمة البترول بكميات ضخمة. وإحدى الدلائل على ذلك هي أن طائرات السلاح كانت، ولاتزال، هي الأكثر تقدما على مستوى المنطقة، بل وعلى مستوى العالم سواء كانت المقاتلات، أو الشحن، أو غيرها. وكدليل على ذلك فقد حصل الوطن على طائرة الهرقل «السي 130» عام 1965 ، وتحديدا في شهر أكتوبر عندما وصلت أول أربع طائرات إلى أرض المملكة لابسة بكل اعتزاز السيفين والنخلة والشهادة. ومنذ ذلك الحين إلى يومنا لم تنقطع خدمتها. والجميل في الموضوع أن هذه الطائرات بالذات كانت آلية لتقديم الخدمات الإنسانية التي قدمها ويقدمها الوطن سنويا لدول مختلفة وخصوصا في نقل المعونات الغذائية، والطبية لمختلف الدول التي واجهت الظروف الصعبة من كوارث وحروب. وكانت ولاتزال هذه الطائرات إحدى ركائز مضاعفة القوة الدفاعية العسكرية للمملكة بشكل يضمن السرعة والفعالية لتجدها منتشرة في المطارات والقواعد العسكرية المختلفة حتى تلك التي لا تتمتع بالمدارج الطويلة. وحققت هذه الطائرات مبدأ القوة الجوية في السلم والحرب. أمنية هناك ما هو أهم بكثير من الطائرات في القوات الجوية وهو الكادر البشري المخلص الذي يعمل بهدوء وتميز وبدون استعراض عضلات لا داعي لها. جزء أساس من خيرات أمن وطننا الذي نتمتع بها اليوم سببه بمشيئة الله هو قلوب، وعقول، وسواعد المخلصين في القوات العسكرية السعودية. ولو نظرت إلى السماء وشاهدت طائرة «متينة» غريبة الشكل فأتمنى أن تتذكر أنها من دواعي الفخر والاعتزاز لما تحققه قواتنا الجوية. والغالب أنها أكبر منك سنا. والأهم من ذلك أن طاقمها السعودي بالكامل يعمل بفعالية وإخلاص وهدوء.. وفقهم الله جميعا. وهو من وراء القصد.