منذ مدة وأنا أحاول انتهاز الفرصة للكتابة مجددا عن ظاهرة تحول عمال النظافة للشحاذة عند الإشارات المرورية وفي الشوارع الرئيسة، لكن تشغلني صوارف ومواضيع أخرى، وعندما استجمعت أوراقي وحضرت بعض المعلومات المتعلقة بالموضوع فوجئت بخبر على الصفحة الأولى في «عكاظ»، 2 ذو القعدة الحالي، في زاوية «خط أحمر» عن تأخير وعدم دفع رواتب موظفين ومطالبة بقانون يتيح تطبيق عقوبات مالية وإدارية على كل جهة لا تلتزم بتسليم منسوبيها أجرهم أولا بأول، وأن تقوم الجهات المختصة بمتابعة المتخاذلين في إيفاء الأجور. الموضوع، والحالئذ، لا يخص القطاع الخاص وحسب، بل صارت بعض الجهات الحكومية تنافسه، والخشية أن يتحول الأمر إلى ظاهرة. معروف أن ما من موظف أو عامل يعمل سواء في الدولة أو في القطاع الخاص إلا وتكون الميزانية التقديرية ثم المعتمدة قد تضمنت حقه، أفهم أن تحدث مماطلة في القطاع الخاص تتيح لصاحب شركة أن يؤخر تسليم حقوق عماله شهرا أو اثنين انتظارا لاكتمال دورة استثمارية ما لرصيده في أحد البنوك، لكن ما تبرير ذلك في القطاع العام، أيقبل أن يقال إنها إجراءات روتينية وبيروقراطية وبقيت الأغنية كتبرير لتقصير كهذا، أيعقل أن يستمر لبضعة أشهر، كيف يحدث هذا والدولة لم تقصر، بل رصدت الميزانيات المليارية لكل وزارة؟ هذا، بكل شفافية ممكنة، فساد مبطن ولابد أن يواجه بصرامة حماية لسمعة الدولة. أتجاوز القطاع العام مؤقتا حتى اتضاح الصورة، وأعود لهؤلاء المساكين الذين ينظفون شوارعنا بينما ضمائر من يستخدمهم أحق بالتنظيف، ولن أتوقف كثيرا عند قصة الضمير هذه التي أتاحت حرمان المستخدم حقه ساعة يجف عرقه، والمفترض أن يتسلمه قبل أن يجف، الأجدى هنا تفعيل قانون ضد هذا الإجحاف. أتجاوز أيضا أنه ضد تعاليم ديننا الفضيل وأخلاقنا وسلم قيمنا، إذ كيف نسمح بظاهرة كهذه في شوارعنا تسيء لهذا الدين وهذه الأخلاق وهذه القيم، كيف نسمح باستغلال هؤلاء الضعفاء بأجور متدنية لا تدفع بانتظام وقد تتأخر لخمسة أشهر وأكثر، وبسكن لا يصلح للسكن الآدمي. هذا نظام للسخرة مخالف للقوانين السماوية والأرضية ولا ترضاه النفس البشرية، فكيف ارتضاه هؤلاء الاستغلاليون، المسيئون لسمعة بلدهم ومجتمعهم، كيف لا تلقي القبض عليهم جهات مكافحة التسلل وتغرم كفلائهم كل تكاليف إيوائهم، «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، تحتم استصدار قانون يجرم هذه الأفعال ويعاقب مرتكبيها. [email protected]