لم تكن زيارة تقليدية تلك التي حظيت بها في حرم جامعة الطائف؛ فكأنما عبرنا الزمن نحو عهد الملك سعود -رحمه الله-، ونحن ما نزال هنا اليوم في "الحويّة"! رغم أن إعلان تأسيس جامعة الطائف كان في العام 2003م، إلا أن بداية الجامعة كانت قبل ذلك بعقدين اثنين، حينما أنشئت عام 1980م كلية تابعة لجامعة الملك عبدالعزيز، ثم تحوّلت بعد سنوات إلى فرع من فروع جامعة أم القرى، ثم تطورت الكليات، حتى عام 1419م حينما أنشئت كلية العلوم، ثم في نفس العام صدر التوجيه السام بمنح قصر الملك الراحل سعود -رحمه الله- لفرع الجامعة، ومساحته الإجمالية (380.000) متر مربع، وتلك قصة تروى. تشرفت قبل أيام بزيارة لحرم جامعة الطائف، بدعوة كريمة من سعادة رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور يوسف بن عبده عسيري، وهو بالمناسبة أستاذي خلال دراستي الجامعية في كلية الصيدلة بجامعة الملك سعود، قبل أكثر من عقدين! والحقيقة أنه منذ دخولك الحرم الجامعي وأنت تدرك عبق التاريخ بين الجنبات والممرات، الذي وفّقت الجامعة بالإبقاء عليه بشكل متقن ضمن منشآتها الحديثة، في استغلالٍ لافت لذاكرة وطنية، كما هو الحال في بضع قصور حول العالم، مثل قصر الإليزيه في فرنسا، الذي تحوّل من قصر ملكي إلى مقر لرئاسة الجمهورية الفرنسية، والكرملين في موسكو، الذي كان مقراً للقياصرة الروس وأضحى مقر الحكومة الروسية، والأمثلة عديدة، ولكن قلة منها حافظت على أصالة المبنى. هذا القصر الذي بدأ العمل ببنائه أواخر عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، أقام فيه الملك سعود بعد سنوات قليلة من توليه العرش، ويتكون من قسمين رئيسين: الأول قصر الحكم، والذي يحتوي المكاتب الإدارية، ومكتب جلالة الملك، وقاعة مجلس الوزراء التي شهدت العديد من الاجتماعات والقرارات، وهو اليوم مقر كلية الهندسة بجامعة الطائف، ولا يزال مكتب الملك سعود شامخاً بنفس تصميمه المميز، من أعمدة وثُرية شامخة، أما القسم الثاني فهو مقر العائلة الذي يحوى الأجنحة والمسبح في المنتصف، ويستضيف اليوم وكالات الجامعة وبضع إدارات، والأهم مركز تاريخ الطائف الذي يقع مقره في منتصف القصر، معبراً عن اعتزاز الجامعة بتاريخ المدينة وإرثها، ويفصل بينهما ممر طويل بقي على حاله، إضافة إلى عددٍ من الملاحق والفلل الصغيرة. تجربة جامعة الطائف رائعة بالحفاظ على الإرث التاريخي، ولعلها تستكمل هذا النجاح بوضع بضع لوحات تشرح تاريخ القصر والأحداث المهمة التي كان مسرحها، والأروع أن نرى مثل هذه التجربة تتكرر في مواقع ومبانٍ أثرية أخرى في المملكة، كما هو الحال في الكثير من بلدان العالم.