أبدى أحدهم استغرابه من صديق له ظل على موقف من مواقفه المعلنة لا يحيد عنه على الرغم من مضى ما يزيد على عشرين عاما على اتخاذه لذلك الموقف فمازحه قائلا: يا أخي ألا تريد أن تغير موقفك وتتغير مثل بقية خلق الله وتصبح أكثر مرونة وتقبلا لأفكار ومواقف الآخرين.. ألا تعتقد أن التغير والتطور في المواقف والآراء هو سنة من سنن الحياة وهل ترى أن مواقفك المتصلبة من بعض القضايا هي مواقف جيدة ومعقولة أم أنها قد تدل على عناد وعدم قدرة على قراءة ما يجري حولك في الحياة العامة.. ألا تعتقد أنك بهذا الموقف تخسر الكثير من التعاطف والاحترام، وقد لا تجد ذات يوم من يصغي لكلماتك أو يتبنى آراءك لأن الجميع يكونون قد تغيروا ويحثوا عن مصالحهم إلا أنت فإنك لم تزل تحمل السُّلم بالعرض! ولما انتهى المتحدث من مرافعته التي قدمها أمام صديقه، وجده يتبسم ضاحكا من قوله، ويدعو بدعاء نبي الله سليمان عليه السلام «رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه»، ثم أخذ يرد على المرافعة بمثلها فقال: إن ما ذكرته أيها الصديق في مرافعتك صحيح جملة لا تفصيلا فالتغير هو سنة من سنن هذا الكون فلا شيء يبقى على حاله فالصغير يكبر ويهرم ويشيخ والقوي يضعف والفقير قد يغنى ويفتقر الغني والطالع ينزل من مكانه فلا يزفه أحد مثل ما زف عند طلوعه والأيام تجري وبعدها الشهور والأعوام ولا يبقى في النهاية إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام، كل ذلك معلوم بالضرورة ومشاهد بالمعايشة ولكن ما لا ينبغي السماح بتغييره لأنه ضد العدالة والحق هو أن يكون لإنسان ما موقف من الظلم والبطر والادعاء، ثم يرى من يمارس هذه البوائق مستمرا في غيه، فيأتي من يطالب المستهجن للظلم والبطر بأن يتغير مثله مثل غيره، فهل المطلوب أن يغير ذلك الإنسان قناعاته النبيلة ومواقفه المبدئية الصادقة المعلنة ضد الظلم ويمسى في ركاب المرضى وغير الأسوياء رافعا راية الاستسلام متذللا بين يدي الذين يأكلون أموال الناس بالباطل طارحا ما آمن به من حق وعدل جانبا.. هل المطلوب من ذلك الإنسان أن يخلع ملابسه البيضاء النظيفة ليرتدي أقذر الملابس وأشدها عفونة حتى يقال عنه إنه قد تغير وتطور.. ويا له من تغير بائس ساقط !!