يُعد "سن الأربعين" مرحلة بلوغ القمة، حيث يُكتمل فيها الفهم وتُكتسب التجربة، وهي من أهم مراحل العمر الذي يتوقف عندها الإنسان وقفة محاسبة وتأمل، كما أنه يحدث بعدها كثير من التغيرات في حياة الشخص. وورد في القرآن الكريم "سن الأربعين" في قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، حيث يُعد العمر الذي بعث به الأنبياء والرسل إلى أممهم ومنهم المصطفى صلى الله عليه وسلم. ومن الحقائق العلمية التي اكتشفها العلم الحديث وعدّه العلماء من الإعجاز القرآني ما أثبته بحث علمي جديد يدحض ما كان يعتقد إلى عهد قريب بأن الدماغ البشري يتوقف عن النمو في سن العشرين، حيث أثبت أن الدماغ يستمر في النمو حتى بلوغ سن الأربعين، خاصةً منطقة "الناصية" - أعلى ومقدمة الدماغ - وجاء في نص الدراسة: أنه منذ أقل من (10) سنوات، كان يعتقد أن نمو الدماغ يتوقف في سن مبكرة من عمر الإنسان، لكن تجارب المسح ب "الرنين المغنطيسي" على الدماغ أظهرت أن النمو يستمر خلال الثلاثينات وحتى نهاية سن الأربعين من عمر الإنسان، وأهم منطقة وأكثرها استمراراً في النمو هي منطقة الناصية، وهي المنطقة من الدماغ المهمة في اتخاذ القرارات والتفاعل الاجتماعي ومهام شخصية أخرى تشمل السلوك والتخطيط وفهم الآخرين. خطوات محسوبة ومن المعروف أنه عند وصول الإنسان إلى "سن الأربعين" يكون قد أستقر أُسرياً ووظيفياً، واكتسب كماًّ لا بأس به من الخبرة والدراية لبدأ مرحلة جديدة، يُكرّسها في توفير حاجات أسرته وهموم مجتمعه، كما يصحبها تحول جذري في الأفكار وبعض السلوكيات والتصرفات، وكذلك لبس "ثوب الوقار"، كما أنه تأتي كل خطواته محسوبة ومتأنية، مدفوعاً على كل ما يطرأ في هذه المرحلة من واقع شعوره بالمسؤولية الاجتماعية. وثبت كثيراً من التجارب أن هناك من تغيّر إلى الأفضل بعد ما بلغ أو اقترب من هذا العمر، وكثيراً ممن نعرفهم أصبحوا أشخاصاً أسوياء بعد ما كانوا يعيشون تخبطات "الطيش"، كما أن هناك نماذج أخرى سلبية أصبحت ذات قيمة وحضور اجتماعي مؤثر في مجتمعاتهم بعد ما وصلوا إلى الأربعين. يبدأ الشعر بالتحول إلى اللون الأبيض مع مرور العمر ظهور الشيب في المقابل فإن علامات تقدم العمر الجسدية والحسية يكون قد بدأ ظهورها على من بلغ هذا السن، ومنها زحف الشعر الأبيض - الشيب - وكثرة التجاعيد والترهل وتخلخل الأسنان وضعف النظر والسمع، وكذلك كثير من علامات تقدم العمر التي يضيف إليها الطب وعلى ذمته تضخم القدمين وزيادة طول الإذنين، إضافةً إلى عديد من مؤشرات الكهولة والتقدم بالسن، التي يبدأ بعدها الإنسان يفقد نظارته وحيوية الشباب ونشاطه المعهود، وما قد يصاحب هذه المؤشرات من أمراض العصر مثل الضغط والسكر التي تلقي بظلالها على مزاجه العام وبعض تصرفاته. وفي هذا الجانب نذكر من باب اللطافة بعضاً من النكت التي تروج ضد من هم في حكم هؤلاء وتتناقلها رسائل التواصل وأحاديث المجالس ومنها قولهم: إن من علامات تقدم سن الرجل حمله عددا كبيرا من المفاتيح في جيبه، والدوران في المنزل لإطفاء اللمبات، وجمع الأكياس و"القواطي" الفارغة في المنزل، وعدم إغلاق باب الحمام أثناء دخوله، ويزيدون أن سبب عدم إغلاقه باب الحمام لأنه يذكره بظلمة وضيق القبر!. هناك من يُجدد حياته بالارتباط بالزوجة الثانية تأنق وتعطر وقدّم علماء النفس والاجتماع جملة أخرى من مظاهر بلوغ سن الأربعين وهم يتحدثون عمّا يسمونه أزمة منتصف العمر أو سن اليأس للرجل، وهي إحدى الحالات التي قد يمر بها ابن الأربعين، ويذهب البعض إلى تسميتها بمراهقة منتصف العمر، التي يُظهر فيها الأربعيني اهتماماً أكثر بالتأنق والتعطر واللباس الذي لا يتناسب مع عمره، ومختلفاً عن ذوقه السابق، وتظهر عنده تغيرات جذرية في الاهتمامات والميول والأفكار والميل إلى الانعزال عن الأسرة وقضاء الأوقات الطويلة في المحادثات على "الإنترنت"، أو في الأحاديث الهاتفية الغامضة، وكذلك حُب الخروج من المنزل وعدم الاهتمام بالمسؤوليات المنزلية. قد يميل الرجل إلى الانعزال وقضاء أغلب أوقاته على «الإنترنت» فقد الأحباب وذكر علماء النفس والاجتماع بعضاً من الأسباب الأخرى التي تدفع بابن الأربعين إلى مثل هذه التصرفات والمشاعر، ومنها جانب اجتماعي مهم جداًّ، لكون الإنسان في هذا السن يكون معرضاً لفقد أشخاص يُشكّلون بالنسبة إليه جانباً تفريغياً مهماً، إضافةً إلى فقد الوالدين أو أحدهم، وفقد أصدقاء وأقارب ومعارف قريبين من قلبه عاش بينهم زمناً طويلاً ثم فرقهم الموت أو السفر، كذلك الأبناء الذين أصبحوا في سن الشباب وباعد بينهم الإنشغال بالدراسة أو العمل أو الزواج والاستقلال بحياتهم الجديدة، ومن الممكن أن نضيف إليها في زمننا الحاضر ظاهرة الانشغال بأجهزة التواصل التي طغت أو ألغت أهمية تلك الاجتماعات والجلسات الأسرية التي تؤصل العلاقة بين أفرادها، التي يجد الوالدان أهميتهما في أجواء نقاشاتها وروح المرح والبهجة التي تدور في فلكها، لذلك يقال إن ابن الأربعين قد يتخذ قراراً بالزواج من فتاة صغيرة حتى يستعيد أهميته ويثبت لمن حوله بمن فيهم أسرته أنه لا يزال شاباً. اختيار الفتيات وحتى نطمئن أبناء الأربعين ومن هم في حكمهم ممن تأخر أو تعثر في الزواج أو وجد عقوقاً من أسرته، فقد أثبت أكثر من استفتاء واستطلاع للرأي أجريت في أماكن وظروف متعددة بأن كثيراً من الفتيات التي شملهن الاستطلاع فضلن الاقتران برجل في سن الأربعين عن مثيله الشاب الذي لا يزال ينقصه بعض الحكمة والخبرة العامة والخاصة، ويتخبطه "طيش" المراهقة الذي قد يحيلها إلى ضحية، وعلّلن السبب إلى كثرة حالات الانفصال التي تحدث في هذا السن، ولأن ابن الأربعين لا يزال يتمتع بقدر من الشباب، وأن فارق السن إلى عشرين عاماً هو منطقي ومقبول وفي صالح الفتاة واستقرارها، ومن الأسباب التي ستدفع به للحفاظ عليها والتمسك بها من دون التفكير بالزواج من أخرى، إضافةً إلى الاستقرار المادي الذي يمكنه من تحقيق كل مطالبها ورغباتها ويبقيها مدللة.